لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
الذّكاء الاصطناعي أخبار العلوم

هل نثق بالذّكاء الاصطناعيّ في تقديم العلاج النّفسيّ؟

أظهرت دراسة أُجرِيَت مؤخّرًا في البلاد، أنّ مستوى التّقمّص الوجدانيّ الّذي يظهره الذّكاء الاصطناعيّ تجاه الأفراد الّذين يعانون من ضائِقة نفسيّة، قد يُضاهي التّعاطف الّذي يُبْديه المعالِجون البشر تجاه متعالجيهم. لكن، وكما هو الحال في جميع مجالات التّكنولوجيا، فإنّ الايجابيات المحتملة لهذا التّطوّر تقابلها العديد من التّحدّيات والمخاطر
Getting your Trinity Audio player ready...

حتّى وقت قريب، كانت فكرة إجراء محادثات يوميّة مع الحواسيب تبدو أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع. مع ذلك، ومنذ عامَيْن، اجتاح برنامج ChatGPT -وهو روبوت دردشة قائم على الذّكاء الاصطناعيّ- مختلف جوانب الحياة، ممّا جعل هذا النّوع من التّفاعل ممكنًا وسهلًا.  أصبحت روبوتات الدّردشة مثل، Chat-GPT ونُظرائها عنصرًا أساسيًّا في الحياة اليوميّة لملايين المستخدمين، الّذين يعتمدون عليها للإجابة عن استفساراتهم في مختلف المجالات، من المعلومات العامّة إلى التّخصّصات المعقّدة مثل البرمجة والطّبّ. بل إنّ هذه الأنظمة خضعت لاختبارات مهنيّة دقيقة، حيث طُلِبَ منها الإجابة عن خمسين سؤالًا من امتحان التّرخيص الطّبّيّ الأمريكيّ، ونجحت 80٪ منها من تحقيق درجات تفوّق متوسّط نتائج الأطباء المتدرّبين.

وبما أنّ العلاج النّفسيّ يقوم أساسًا على الحوار التّفاعليّ بين المعالِج والمتعالَج، يُثار التّساؤل حول مدى إمكانيّة استخدام الذّكاء الاصطناعيّ في هذا المجال. حيث يخضَع هذا الموضوع لنقاش أكاديميّ وإكلينيكيّ واسع. فمن جهة واحدة قد توفّر هذه التّقنيّة الحديثة العديد من المزايا منها: توسيع نطاق العلاج، تقليص أوقات الانتظار، تقليل تكاليف العلاج، وتقديم علاجات مخصّصة ودقيقة لكلّ حالة على حدة. كما أنّ اعتماد هذه الأدوات على قواعد بيانات ضخمة، قد يساهم في تحسين دقّة التّشخيص وتقليل الأخطاء الطّبّيّة. لكن من جهةٍ أُخرى، يظلّ التّساؤل قائمًا، هل تستطيع الآلات استبدال الجانب الإنسانيّ في عمليّة علاجيّة تتطلّب الكثير من التقمّص الوجدانيّ الثّقة والتّفاعل الشّخصيّ؟ 

هل يمكن لروبوتات الدّردشة أن تحلّ محلّ العنصر البشريّ في العلاج الّذي يتطلّب التّقمّص الوجدانيّ، الثّقة والتّفاعل الشّخصيّ؟ | Krakenimages.com، Shutterstock

هل يمكن للذّكاء الاصطناعيّ أن يُظهِر تعاطفًا حقيقيًّا؟

يُعَدّ التّقمّص الوجدانيّ أو التّعاطف أحد أهم العوامل النّفسيّة البشريّة، الّتي تلعب دورًا حاسمًا في فعالية العلاج النّفسيّ. فكلّما ازدادت قدرة المعالِج على إبداء التّعاطف العميق مع المتعالَج، ازدادت فعاليّة العلاج، وبالتّالي تحقيق المزيد من النّتائج الإيجابيّة. يمكن تصنيف التّقمّص الوجدانيّ إلى ثلاث مكونّات رئيسة: التّقمّص الوجدانيّ المعرفيّ، الّذي يتمثّل في إدراك مشاعر الآخر وفهمها؛ التّقمّص الوجدانيّ العاطفيّ، وهو القدرة على الشّعور بمشاعر الآخرين، مع الحفاظ على شعور المعالج بالانفصال عن الحالة؛ والتعاطف التّحفيزيّ المتمثّل بالشّعور بالقلق والاستعداد لبذل جهد لتحسين رفاهيّة الآخرين. على الرّغم من قدرة الذّكاء الاصطناعيّ على تمييز الوضع النّفسيّ للأفراد، إلّا أنّ قدرته على إظهار التّقمّص الوجدانيّ تظلّ محدودة، وذلك لأنّ الذّكاء الاصطناعيّ لا يستطيع اختبار المشاعر بشكل مباشر. فلن يتمكّن من تقمّص التّجارب العاطفيّة للمريض، أو إظهار اهتمام وقلق حقيقيين. 

لاختبار هذه الفرضيّة، أجرت هداس بروكنر، بالتّعاون مع المشرف على بحثها، الدّكتور رافائيل يوناتان-لاوس من كليّة الإدارة في ريشون لتسيون، دراسة حديثة تهدف إلى تقييم مستوى التّقمّص الوجدانيّ، الّذي يمكن أن يشعر به البشر في استجابات الذّكاء الاصطناعيّ. استخدم الباحثون منصة “ريديت” (Reddit)، الّتي تقوم على ردود وتفاعلات خبراء معتمدين على استفسارات المستخدمين المتعلّقة بالصّحّة النّفسيّة. اُختيرَ 150 استفسارًا ردّ عليها محترفون، بالمقابل طُلب من ChatGPT الإجابة عن نفس الأسئلة. 

طلب من مقيّمين خارجيّين ذوي خلفيّة بالعلاج النّفسيّ تقييم الإجابات، مع الحرص على إخفاء مصادر الإجابات، حيث لا يتمكّن المقيّمون من التّمييز بين ردود المعالجين وتلك الّتي قدّمها الذّكاء الاصطناعيّ. قُيِّمت الإجابات وفقًا لعدّة معايير، من بينها المنظوريّة، أي القدرة على تبنّي وجهة نظر الآخر. كان التقييم باستخدام مقياس من 1 إلى 5، حيث يُشير التّقييم 1 إلى إجابة لا تعكس وجهة نظر السّائل أو شكّكت فيها، بينما يُشير التّقييم 5 إلى إجابة  تتوافق مع وجهة نظر السّائل وتتبنّى مشاعره.

كما قيسَ القلق التّعاطفيّ، أي مدى تركيز الاستجابة العاطفيّة على فردانيّة الآخر، وكيف عزّزت من رفاهيّته، بالإضافة إلى اختبار الأساليب العلاجيّة المستخدمة بالاستجابات، مثل الدّعم، المناقشة، تلخيص المعلومات، توضيح الوضع النّفسيّ، اكتشاف أنماط الخلل الوظيفيّ، تقديم النّصائح وتحفيز الوعي الذّاتيّ.

كانت نتائج الدّراسة صادمةً ومغايرةً للتّوقّعات، حيث حصلت نتائج الذّكاء الاصطناعيّ على تقييم أعلى من تلك الّتي قدّمها المعالجون البشريّون، من حيث المنظوريّة والقلق التّعاطفيّ. بينما ركّز الذّكاء الاصطناعيّ على تقديم استراتيجيّات داعمة، مالَ المعالجون البشريّون إلى تقديم النّصائح، وتزويد المستخدمين بالمعلومات، وتشجيعهم على استكشاف أنماط تفكيرهم الّتي تعيق قدرتهم على التعامل مع المواقف بطريقة صحّيّة وفعّالة.

يعدّ التّقمّص الوجدانيّ أو التّعاطف أحد أهم العوامل النّفسيّة البشريّة الّتي تلعب دورًا حاسمًا في فعاليّة العلاج النّفسيّ. طبيبة تُجري مقابلة مع مريض | Chinnapong, Shutterstock

دكتور، أنا مدرك بأنّك لست إنسانًا!

بيّن الباحثون أنّ هذه النّتائج تتماشى مع دراسات سابقة، وجدت أنّ أجوبة الذّكاء الاصطناعيّ على الاستفسارات النّفسيّة بالمنتديات العامّة غالبًا ما تعكس مستوى أعلى من التّقمّص الوجدانيّ، مقارنةً بإجابات الأطبّاء المختصّين. على الرّغم من ذلك، أكّدت دراسات أُخرى، أنّ تجارب المتعالجين الذّاتيّة، من حيث الشّعور بالتّعاطف والإصغاء، قد تتأثّر بمعرفتهم المسبقة بأنّهم يتلقّون الاستشارة من نظام ذكاء اصطناعيّ. ربّما ينبع ذلك من حقيقة أنّ البشر يميلون إلى تقدير التّفاعل الإنسانيّ الشّخصيّ والاهتمام الفرديّ، في حين تفتقر الأنظمة الآليّة إلى هذه القدرة، إذ تتعامل مع جميع المتعالجين بطريقة موحّدة. 

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الدّراسة اقتصرت على اختبار إجابات فرديّة لمشاكل عشوائيّة موزّعة في منتديات الإنترنت، ولم تطرق إلى فحص منظومة علاجيّة مستمرّة. لذا من المهمّ توسيع نطاق الأبحاث المستقبليّة، بحيث تقيّم مدى شعور المتعالجين بالتّقمّص الوجدانيّ والرّفاهيّة العامّة، في سياق تجربة علاجيّة مستمرّة مع الذّكاء الاصطناعيّ. فمن المرجّح أن يشعر بعض الأفراد بتكرار الإجابات ونمطيّتها. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لاعتماد الدّراسة الحاليّة على تقييم مُقيّمين فقط، فمن الضّروريّ إجراء أبحاث مستقبليّة أكثر شمولًا وعمقًا، لاستكشاف كيفيّة إدراك المتعالجين أنفسهم لمستوى التّقمّص الوجدانيّ في استجابات الذكاء الاصطناعيّ، مقارنةً بتلك المقدّمة من المعالجين البشريّين.

بناءً على معطيات الدّراسة، وفي ظلّ الطّلب المتزايد على خدمات الصّحّة النّفسيّة، يمكننا القول إنّ الذّكاء الاصطناعيّ قد يشكّل أداة علاجيّة أوّليّة فعّالة. ويُمكِن إدراج هذه التّقنيات مستقبلًا لتقديم تقييمات تمهيديّة قبل البدء بالمرحلة العلاجيّة مع المختصّين البشريّين. ممّا يُسهم في تحسين كفاءَة الوصول إلى الخدمات النفسيّة.

هل يُعد التّحفّظ على دمج تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ في العلاجات النّفسيّة مبالغة غير مبرّرة، أم أنّه شكّ مشروع في محلّه؟

لقد بدأت تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ في اجتياح مجالات العلاجات النّفسيّة بالفعل، إذ تهدف هذه التّقنيات إلى دعم الصّحّة النّفسيّة، عن طريق المساعدة في تقييم اليقظة الكاملة (mindfulness)- وهي تمرين ذهنيّ قصير يهدف إلى التّركيز على الأحداث الدّاخليّة والخارجيّة، الّتي تحدث في اللّحظة الرّاهنة بشكل واعٍ وبدون إطلاق الأحكام- أو إجراء محادثات نفسيّة مع المستخدمين لتعزيز العلاج النّفسيّ أو حتّى استبداله. وفقًا للأبحاث المستندة على حالات معدودة، قد تساهم هذه التّقنيات في تقليل أعراض الاكتئاب والقلق. 

مع ذلك، كشفت إحدى الدّراسات الاستقصائيّة حول استخدام الذّكاء الاصطناعيّ، لدعم الصّحّة النّفسيّة أنّ حوالي 80% من البالغين في الولايات المتّحدة لا يرغبون في استخدام الذّكاء الاصطناعيّ للحصول على الدّعم النّفسيّ، بينما يرى 46% أنّ روبوتات الدّردشة يجب أن تُستخدم فقط كأداة مساعدة للأشخاص الّذين يتلقّون علاجًا من أشخاص مختصّين، وليس كبديل عنه، كما وأعرب 28٪ عن رفضهم التّامّ لاستخدام روبوتات الدّردشة لهذا الهدف. تشير هذه النّتائج إلى تحفّظ الرّأي العام من فكرة استخدام تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ في مجالات الصّحّة النّفسيّة. ممّا يُثير تساؤلًا جوهريًّا: هل يُمكِن تغيير هذا التّصوّر عن طريق زيادة الوعي بهذه التّقنيّات وإمكانيّاتها؟ 

على الجانب الآخر، يحذّر الكثير من المختصّين في مجال الصّحّة النّفسيّة من المخاطر المحتملة، المترتّبة على استبدال البشر بالآلات في هذا المجال. إذ قد تستغلّ روبوتات الدّردشة المعلومات الّتي تجمعها من المستخدمين، وبالتّالي التّأثير على عمليّات اتّخاذ القرار لديهم. وتزداد خطورة هذا التّأثير عندما تكون البيئة ودّيّة بسبب قلّة الوعي بالتأثيرات المحتملة لهذه التّقنيّات. أمّا التّهديد الأكبر الّذي يحذّر منه المختصّون، يتمثّل في إمكانيّة تحفيز سلوكيّات إيذاء النّفس أو حتّى الانتحار، إضافة إلى الاستجابات غير اللّائِقة من ردود مضلّلة ومهدّدة، ممّا يجعلها خطيرة بشكل خاصّ على الفئات الأكثر هشاشةً من الجانب العاطفيّ. كما يثير هذا الموضوع الكثير من الاسئلة الأخلاقيّة، مثل الخصوصيّة والشّفافيّة وحماية حقوق المرضى. 

Additional content that may interest you

الغوص في أعماق الجبل البركانيّ

أتاح أسلوب معالجة البيانات الّذي كان قد طُوِّرَ أصلًا للفحوصات الطِّبّيّة، مثل: الموجات فوق الصّوتيّة (أولتراساوند)، إنشاء صورة مفصّلة للتّشكيلة تحت الأرضيّة لجبل بركانيّ في البحر الكاريبيّ.

calendar 26.11.2024
reading-time 4 دقائق

جليد من هنا ومن هناك: المحيط المتجمّد الشّماليّ يذوب أسرع من المتوقّع

تتناقص كمّيّة الجليد البحريّ بالقرب من القطب الشّماليّ بشكل دائم. وقد لا يتبقّى منها في ذروة الصّيف كمّيّة كبيرة بعد عامَيْن.

calendar 12.11.2025
reading-time 4 دقائق

هل يزيد التابل الأكثر شيوعًا في نظامنا الغذائيّ من خطر الإصابة بالسكّريّ؟

تشير دراسة جديدة إلى وجود صلة واضحة بين الاستهلاك المفرط للملح وتطوّر مرض السكّريّ من النوع الثاني

calendar 8.8.2024
reading-time 9 دقائق