لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
الطب وعلم الأعضاء أخبار العلوم

والأهم ألّا نخاف أبدًا

تمكَّن العلماء من تحييد آليّة الدماغ المسؤولة عن قمع الخوف لدى الفئران. قد تساعد هذه النتائج في تطوير علاجات للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق.
Getting your Trinity Audio player ready...

الخوف مُصمَّم لحماية الكائِنات من الخطر. بعض مخاوفنا مكتسبَة: فعندما يحدث لنا أمرٌ مُقلق، نتعلَّم الخوف منه ونكون حذرين في المرّة القادِمة. كما نتعلّم من الآخرين الخوف من أشياء خطيرة لم نختبرها بأنفسنا. يُسمّى هذا النوع من الخوف “الخوف المُكتسَب”. بعض المخاوِف فِطريّة، وتنشأ من عمليّات تطوُّريّة تجعل الحيوان يخاف من شيء ما، حتّى لو لم يصادفه قطّ، ولم يتعلّم من الآخرين أنّه يجب الخوف منه.

الأمثلة كثيرة؛ على سبيل المثال، يخشى عدد كبير من البشر والقرود من الثعابين، حتّى لو لم يروا أو يختبروا لدغة ثعبان البتّة. يرصد نظامهم البصريّ الثعابين بفعاليّة، ويثير الخوف في نفوسهم. وبالمثل، إذا لاحظ الفأر ظِلًا داكنًا يمرّ فوقه، فإنّه يهرب بسرعة ويختبِئ، لأنّ الفئران التي استجابت للخوف من هذا المحفّز، على مدار التطوّر، نجت بشكل أفضل.

لقد حمتهم هذه الاستجابة من الطيور الجارحة أو الحيوانات المفترسة الأخرى التي كانت تتربَّص لهم، وسمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة، وإنتاج ذرّيّة تنقل استجابة الخوف إلى الأجيال القادمة.

تُمكِّن المخاوف الفطريّة الحيوانَ من الاستجابة بسرعة للتهديدات دون الحاجة إلى التعلّم. مع ذلك، لها عيبٌ أيضًا – ففي بيئةٍ متغيرة، قد يُهدر الحيوان طاقةً كبيرةً في هروبٍ عقيم، إذا لم يتعلّم أنّ ليس كلّ ثعبان خطيرًا، وليس كلّ ظلّ مفترسًا.

ترتبط المخاوف الفطريّة بمناطق في الجهاز العصبيّ المركزيّ، مثل جذع الدماغ، والتي تطوّرت في مراحل مبكّرة من التطوّر، وهي مسؤولة عن وظائف أساسيّة تعزّز البقاء. وقد كشفت أبحاث جديدة

 أنّ مناطق معيّنة في أدمغة الفئران المسؤولة عن إخماد الخوف الفطريّ لا ترتبط ارتباطًا مباشِرًا بالخوف.

פחדים מולדים מאפשרים לבעל החיים להגיב מהר לאיומים בלי לשלם את מחיר הלמידה | עכבר שלא כל כך מפחד מחתול | Fer Gregory, Shutterstock
تُمكّن المخاوف الفطرية الحيوان من الاستجابة بسرعة للتهديدات دون الحاجة إلى التعلّم. فأر لا يخاف من القطّ | Fer Gregory, Shutterstock

اشتراط الخوف

في سلسلة من التجارب التي أجراها عالم السلوك الروسيّ إيفان بافلوف (Pavlov) في أواخر القرن التاسع عشر، أظهر أنّ الحيوانات تتعلّم ربط الصوت بالطعام. وبالمثل، ينشأ الخوف المكتسب عندما تربط أدمغتنا مُحفِّزًا بتجربة مؤلّمة أو مُهدِّدة. في عام 1920، أجرى باحث يُدعى جون واتسون (Watson) تجربةً عرض فيها فأرًا على طفل صغير أسماه “ألبرت الصغير”. في كلّ مرّة رأى ألبرت الجرذ، كان واتسون يضرب بمطرقة ليُصدِر صوتًا عاليًا ومخيفًا، ممّا يُسبّب بكاء الطفل الصغير.
بعد عدّة ضربات، بدأ ألبرت يتفاعل بخوف حتّى عند رؤية الجرذ، دون أيّ صوت. وبالمثل، حتّى دون قصد، يمكن للصوت أن يُنذر بالخطر – تخيّل ردّ فعلك على أصوات الإنذار منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يُمكِن القضاء على التكييف للخوف بواسطة تعريض الشخص، أو أيّ كائن آخر يشعر بالخوف، لمحفّزٍ يُمثّل خطرًا عليه دون أن يحدث هذا التهديد فعليًّا. مع ذلك، فإنّ هذه العمليّة أبطأ من خلق تكييف الخوف، وتتطلّب تكرارًا متكررًا.
استخدمت الدراسة الجديدة هذا المبدأ للقضاء على الخوف الفِطريّ. بدايةً، أثار الباحثون استجابة خوف فطريّة لدى الفئران بتسليط ضوء على شكل دائرة سوداء فوقهم ظلّ طائر جارِح. استجابةً لذلك، ركضت الفئران بسرعة إلى مدخل الجحر المحميّ في القفص. ثمّ، لتعليم الفئران أنّ الظلّ الأسود ليس خطرًا، أضاف الباحثون حاجزًا بين الفأر ومدخل الجحر.
الآن، عندما مرّ الظل الأسود فوق الفئران، لم يكن لديهم طريقة للاختباء – ومع ذلك لم يحدث شيءٌ رهيب. بعد بضع مرّات، توقّفت الفئران عن البحث عن مأوى: إذ علِمت أنّ المفترس الوهميّ لم يكن يُهدّدها.
باستخدام طريقة فعّالة لتغيير سلوك الفئران، لجأ الباحثون إلى تحديد مناطق الدماغ المسؤولة عن تثبيط الخوف. ولتحقيق ذلك، استخدموا علم البصريّات الوراثيّة، وهي طريقة تتيح التحكّم في نشاط مجموعة مُختارة من الخلايا، عن طريق تسليط ضوء ذي طول موجيّ مُناسِب عليها. وبهذه الطريقة، تمكّنوا من تشغيل أو إيقاف مجموعات من الخلايا العصبيّة في أدمغة الفئران المعدّلة وراثيًّا.
ركّز الباحثون في البداية على مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة وتحليل المعلومات البصريّة المعقّدة. تستقبل هذه المناطق معلومات أساسيّة وفقَ ما تراه العين، بالإضافة إلى إشارات من أجزاء أخرى من الدماغ، تتضمّن معلومات حول السياق والتجارب السابقة مع محفّزات بصريّة محدّدة.

وعندما تمّ إيقاف نشاط الخلايا في هذه المناطق، المعروفة باسم “مناطق الرؤية العالية”، لم تتمكّن الفئران من تعلّم أنّ الظلّ الأسود ليس خطيرًا، وبالتالي استمرّت في محاولة الهروب والاختباء حتّى بعد العديد من التكرارات.

גרעין הברך הצידי הוא אזור בעל תפקיד מרכזי בתהליכי חישה וקשב, שמעבד מידע חושי ומעביר אותו אל קליפת המוח. הדמיית המסלולים מהאזורים החזותיים אל אזור ה-LGN במוח עכבר | מקור: Sainsbury Wellcome Centre
تلعب النواة الركبيّة الجانبيّة دورًا محوريًّا في العمليّات الحسّيّة والانتباهيّة، حيث تعالج المعلومات الحسّيّة وتنقلها إلى القشرة المُخّيّة. تصوير المسارات من المناطق البصريّة إلى الشبكة العصبيّة الأماميّة الجانبيّة في دماغ الفأر | المصدر: Sainsbury Wellcome Centre

التعلّم والذاكرة

لكن بعد ذلك، لاحظ الباحثون أمرًا آخر مثيرًا للاهتمام. عندما أوقفوا نشاط الخلايا العصبيّة في هذه المناطق لدى الفئران، التي تعلّمت بالفعل عدم الخوف من الظلّ، لم يتأثّر التعلّم، واستمرّت في تجاهل التهديد المُتخيّل. لذلك واصل الباحثون البحث عن منطقة أُخرى تغيّرت نتيجة التعلّم.

ترسل المناطق البصريّة العُليا في الدماغ إشارات إلى منطقتَين أخريَين: إلى القشرة البصريّة الأوّليّة، التي تعالج ميزات مثل اللون والخطّ في الصورة، وإلى النواة الركبيّة الجانبيّة (LGN0 (Lateral Geniculate Nucleus) الموجودة في المهاد، التي تلعب دورًا مركزيًا في العمليّات الحسّيّة والتركيز، والتي تعالج المعلومات الحسّيّة وتنقلها إلى القشرة المخّيّة.

تستقبل النواة المعلومات من شبكيّة العين وأيضًا من عدّة مناطق في جذع الدماغ، ويعمل كنوع من “المحدّد” الذي يساعد النظام البصريّ في الدماغ على التركيز على ما هو ذو معنى ومهمّ.

عندما أوقف الباحثون نشاط الخلايا العصبيّة في الشبكة العصبيّة المركزيّة، لم تتمكّن الفئران من إدراك أنّ التهديد ليس خطيرًا. بالمقابل، عندما أوقفوا نشاط الخلايا في مسارات أُخرى مرتبطة بالمعالجة البصريّة، تعلّمت الفئران جيّدًا وتوقّفت عن الهروب من الظلّ.

من هنا، استنتج الباحثون أنّ نشاط المناطق البصريّة العُليا ضروريّّ لمرحلة التعلّم، حيث تكسر الفئران الرابط بين الظلّ الأسود المارّ فوقها والشعور الفطريّ بالخوف، ولكنّه لا يرتبط بالذاكرة أو معرفة أنّ ما أخاف الفأر في الماضي ليس خطيرًا حقًّا. المنطقة التي يتغيّر نشاطها بعد التعلّم، واللازمِة لإخماد استجابة الخوف لدى الفأر، هي الشبكة العصبيّة المركزيّة.

ما الذي يُسبّب هذا التغيير في النواة الركبيّة الجانبيّة؟ اكتشف الباحثون أنّ الخلايا العصبيّة هناك تُغيّر نشاطها من خلال آليّة تُسمّى نظام الأدينوكانابينويد. الأدينوكانابينويدات هي نواقل عصبيّة تُستخدَم للتواصل بين الخلايا العصبيّة. عندما يتعرّض الفأر للظلام بشكل متكرّر دون مواجهة أيّ خطر، فإنّ الخلايا العصبيّة في النواة الركبيّة الجانبيّة، التي تُكبح استجابة الخوف، تتلقّى إشارات أقلّ من هذا النظام الذي يُثبّط نشاطها. ونتيجةً لذلك، تضعف استجابة الفأر الفطريّة للخوف تدريجيًّا.

على الرغم من أنّ هذه الدراسة أُجريت على الفئران، إلّا أنّ نتائجها مُهمّة، وقد تنطبق أيضًا على البشر. آليّات الخوف وكبته بالغة الأهمّيّة لبقاء الكائنات الحيّة، فالخوف يحمينا من المخاطِر. مع ذلك، فإنّ القدرة على التكيُّف مع الظروف المتغيّرة، وكبت استجابة الخوف عند عدم الحاجة إليها هي أمرٌ أساسيٌّ أيضًا.

اضطرابات القلق، مثل الرهاب أو اضطراب الوسواس القهريّ، هي في الواقع مظهر من مظاهر فرط نشاط آليّات الخوف الطبيعيّة في أدمغتنا. لذا، من الممكن أن تسمح النتائج الجديدة بتطوير علاجات مُستهدفة في المستقبل تُساعد على تخفيف القلق، على سبيل المثال من خلال التحفيز الكهربائيّلا أو الكيميائيّ للنواة الركبيّة الجانبيّة.

Additional content that may interest you

اللّقاحات تنِقذ الأرواح

كشفت دراستان نُشرتا مؤخّرًا أنّ برنامج التّطعيم العالميّ وجهاز التّطعيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة أنقذتا، في العقود الأخيرة، حياة الملايين من النّاس ومنعت الأمراض والمعاناة

calendar 16.2.2025
reading-time 6 دقائق

جُرذ المختبر الافتراضيّ

طُوِّر، ضمن دراسة حديثة، “قارض افتراضيّ” يتمّ التحكّم به من خلال شبكة من الخلايا العصبيّة، ويُبدي أنماطًا من النشاط تشبه تلك الموجودة لدى القوارض الحقيقيّة

calendar 30.10.2024
reading-time 4 دقائق

عندما كان العالم (ربما) كرة من الجليد

تعزّز النّتائج الّتي تمّ التوصُّل إليها في كولورادو الفرضية القائِلة أنّه في الماضي البعيد، وصلت الأنهار الجليديّة على الأرض حتّى خطّ الاستواء.

calendar 25.11.2025
reading-time 6 دقائق