يتكوّن مخزون البويضات في جسم المرأة خلال المراحل الجنينيّة قبل الولادة، حيث تحتوي مبايض الجنين الأنثى على أكثر من مليوني بويضة بحلول الأسبوع الثّالث عشر من الحمل. ومع مرور السّنوات، يتناقص هذا العدد، ليتبقّى ما بين 300 إلى 500 ألف بويضة عند بلوغ سنّ النّضج الجنسيّ. على مدى سنوات خصوبة المرأة، تطلق المبايض بويضة واحدة شهريًّا أثناء الدّورة الشّهريّة. لكن ما الآليّات الّتي تتيح لهذه البويضات البقاء سليمة وفعّالة لعقود من الزّمن؟

  تتجدّد خلايا جسم الإنسان باستمرار طول فترة حياته، باستثناء خلايا البويضات، إذ تظلّ محفوظة في جسم المرأة منذ أن كانت جنينًا. في دراسة نُشرت في مجلة Nature Cell Biology العلميّة، وجد باحثون من ألمانيا، أنّ سرّ طول عمر البويضات يكمن في قدرتها على الحفاظ على بروتيناتها بشكل مستمرّ، إذ تعدّ هذه البروتينات اللّبنات الأساسيّة الّتي تُكوّن خلايا البويضات والمبايض الّتي تخزّنها. وقام الباحثون بمتابعة دورة حياة البروتينات  في مبايض وخلايا بويضات الفئران، ووجدوا أنّ هذه البروتينات تحافظ على تركبيتها لفترات أطول بكثير مقارنة بقريناتها في خلايا الجسم الأخرى. وجد الباحثون حوالي 350 نوعًا من البروتينات في المبايض يمكنها البقاء طوال فترة حياة الفئران، منذ تكوّنها وهي أجنّة حتّى عمر 15 شهرًا، في حين أنَّ بروتينات مماثلة في أنسجة أخرى، مثل الدّماغ والقلب والكبد والغضاريف، يتمّ استبدالها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز بضعة أيّام أو أسابيع. 


جميع البويضات في جسم المرأة تتكوّن عندما تكون لا تزال جنينًا صغيرًا في رحم أمّها .  مجسّم للرّحم والمبايض | Palchik Kseniya, Shutterstock

دعم تقنيّ لإطالة العمر

البروتينات مركّبات عضويّة مسؤولة عن الأداء السّليم للخلايا، إذ تشكّل دعمًا هيكليًّا للخلايا، تساعد في نقل الجزيئات داخل الخليّة وخارجها، وتحمي المادّة الوراثيّة، كما تمدّ الخليّة بالطّاقة. ومع مرور الوقت، قد تتعرّض البروتينات للتّلف والعجز، لذلك تعمل الخلايا على تجديد بروتيناتها بشكلٍ مستمرّ للحفاظ على وظائفها. في المقابل، لا يتمّ استبدال البروتينات في خلايا البويضات والمبايض. 

تلعب البروتينات الّتي اكتشفها الباحثون دورًا أساسيًّا في وظائف خلايا البويضات، إذ يسهم بعضها في إنتاج الطّاقة داخل الخليّة، بينما يحافظ البعض الآخر على بنيتها، في حين يعمل بعضها في حماية المادّة الوراثيّة، ويساعد البعض الآخر في حمايتها من عمليّات الأكسدة. تنتظم البروتينات داخل خلايا البويضة في بُنًى فريدة 

يُعتقد أنّها تحافظ عليها لفترات أطول. فهي تعيش لفتراتٍ أطول بكثير من البروتينات الموجودة في خلايا الجسم الأخرى حتّى أكثر من البروتينات في خلايا الدّماغ. يبدو أنّ هذه البروتينات تسمح للبويضات بالبقاء على قيد الحياة لفترة أطول من الخلايا الأخرى في الجسم عن طريق حماية البروتينات الهامّة الأخرى في خلايا البويضة من أضرار الأكسدة ومساعدتها على الالتفاف في بنية تضمن أداءها الوظيفيّ بشكل سليم.

تسهم دورة حياة هذه البروتينات الطّويلة في الحفاظ على البويضات لحين نضوجها في جريبات المبيض وانتقالها إلى قناة فالوب والرّحم أثناء الإباضة. وجد العلماء أنّ هذه البروتينات، الّتي تركّب البويضات وتدعمها، تبدأ بالتّفكّك في مرحلة بداية نضوج البويضة – بينما لا تزال في المبيض – استعدادًا لعمليّة الإباضة. 

 يسهم  العمر الطّويل لهذه البروتينات في الحفاظ على البويضات حتّى  تنضج داخل جريبات المبيض وتنتقل إلى قناة فالوب خلال عملية الإباضة. مقطع عرضيّ لمبيض يحتوي على جريبات وبويضات في مراحل تطوّر مختلفة | Eye Of Science / Science Photo Library

عندما تتراجع الخصوبة

عندما تنتهي وظيفتها بالجسم، تمرّ البروتينات عمليّة إعادة تدوير، حيث تعمل الخلايا على تفكيك هذه البروتينات إلى أحماضها الأمينيّة الأساسيّة. تتميّز بعض الأمراض المرتبطة بالتّقدّم في العمر، مثل ألزهايمر وباركنسون، بحدوث تفكّك غير منتظم لأجزاء من البروتينات ممّا يؤدّي إلى تراكم رواسب بروتينيّة ضارّة. تتسبّب هذه الرّواسب في تلف الخلايا العصبيّة في الدّماغ، ممّا يؤثر على الوظائف الحركيّة والإدراكيّة. بيّنت الأبحاث أنّ عمليّة تفكّك بروتينات البويضات والمبايض لا تؤدّي إلى تشكيل رواسب، حيث طوّرت البويضات آليّات فعّالة تمنع تراكم البروتينات التّالفة، ممّا يحميها من الاضطرابات التّنكّسيّة المرتبطة بالشّيخوخة، كما هو الحال في مرض ألزهايمر.

على الرّغم من أنّ هذه البروتينات شديدة المقاومة وتؤدّي وظائفها لعشرات السنين، إلّا أنّها لا تستطيع العمل إلى الأبد. اِكتشف العلماء أنّ البروتينات المسؤولة عن حماية المبايض تبدأ في التّحلّل مع تقدّم الفأرة في العمر وتراجع خصوبتها. على الرّغم من أنّ الدّراسة لم تشمل النّساء، إلّا أنّ الباحثين يعتقدون أنّ هذا العامل قد يكون أحد المسبّبات الّتي قد تسهم في انخفاض خصوبة المرأة مع التّقدّم في السّنّ، إذ تبدأ البروتينات، الّتي أسهمت في الحفاظ على بنية البويضات واستقرارها  لمدّة تتراوح بين أربعين وخمسين عامًا في التّحلّل، ممّا يؤدّي في النّهاية إلى تحلّل خلايا البويضات نفسها.

يمكن أن تسهم هذه الدّراسة في توسيع فهم الاضطرابات المتعلّقة بخصوبة المرأة، كما قد تسهم في تطوير استراتيجيات للحدّ من الأمراض المرتبطة بالشّيخوخة، والّتي تتميّز بحدوث اضطرابات في تفكّك البروتينات، مثل ألزهايمر وباركنسون. تتطلّب الأبحاث المستقبليّة تحليلًا أكثر تفصيلًا لآليّة عمل هذه البروتينات، واستكشاف وسائل للحفاظ على البويضات لفترات أطول، بالإضافة إلى دراسة إمكانيّة تقليل الالتهابات وتأخير شيخوخة المبايض. كما وتبيّن أنّ بعض هذه البروتينات – الّتي تمّ اكتشافها خلال الدّراسة – ترتبط بعمليّة التّدمير الذّاتيّ للخلايا، كما أنّ مستوياتها في المبايض ترتفع مع التّقدّم في العمر، ممّا قد يشير إلى دورها المحتمل في تقليل عدد البويضات. وقد طرح الباحثون فرضيّات مثيرة للاهتمام في محاولة منهم لتفسير أثر هذه البروتينات على خصوبة المرأة،

إلّا أنّهم لم يتمكّنوا بعد من دعم استنتاجاتهم بالتّجارب اللّازمة. حتّى الآن، اِقتصر البحث على الفئران، إلّا أنّه من الممكن توسيع نطاق التّجارب لتشمل البشر، ممّا قد يسهم في تطوير أساليب فعّالة للحفاظ على البويضات لفترة أطول.