لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
علم الأحياء أخبار العلوم

الملاحة المزدحمة للخفافيش

تميل خفافيش من أنواع معيّنة إلى الخروج بالآلاف دفعةً واحدة من الكهف الّذي تنام فيه. أظهرت دراسة إسرائيليّة كيف تتجنّب هذه الخفافيش الاصطدام ببعضها البعض في بيئة مزدحمة وصاخبة.
Getting your Trinity Audio player ready...

يحدث ذلك في كلّ مساء، عند غروب الشّمس: يخرج حوالي ألفيْ خفّاش من فصيلة الخفّاش فأريّ الذّيل الكبير (الاسم العلميّ: Rhinopoma microphyllum)، من فتحة الكهف الّذي يقضون ساعات النّهار نائمين فيه في سهل الحولة، ويطيرون للبحث عن الحشرات اللّذيذة. يتدفّق التّيّار السّريع لرفرفة الأجنحة وأصوات الصّرصرة عالية النّبرة من فتحةٍ يمرُّ عبرها حوالي 25 خفاشًا في الثّانية.

خفافيش فأريّة الذيل تخرج بأعداد كبيرة من الكهف

كيف تتمكّن الخفافيش من العثور على طريقها في بيئة مزدحمة كهذه؟ تعتمد الخفافيش في ملاحتها بشكل أساسيّ على قدرة الاستشعار بالصّدى (Echo localization)، أي تحديد المواقع باستخدام الصّدى (أو السونار الحيويّ)، حيث تُصدر أصواتًا بتردّدٍ عالٍ، معظمها يكون خارج نطاق سمعنا نحن البشر، وتستمع إلى الصّدى الّذي يعود من الأشياء الموجودة في منطقتها، وهكذا، تبني خريطة لمحيطِها في أذهانها. باستخدام هذه الطريقة، تصبح قادرة ليس على اكتشاف الجمادات فحسب، بل أيضًا على اكتشاف الكائنات الحيّة وهي تتحرّك، مثل الحشرات الّتي تصطادها أو الخفافيش الّتي تطير جانبها.

ولكن عندما تتواجد أعداد كبيرة من الخفافيش في مساحة صغيرة، وجميعها تُصدر صرصرة عالية النّبرة، فإنّ مشكلة تحدث: تتداخل الأصوات وتحجب بعضها البعض، ممّا يمنع الخفافيش من سماع الأصداء المرتدّة لأصواتها الخاصّة، ويأتي هذا تحديدًا في الوقت الّذي تحتاج فيه إلى تحديد الموقع عبر الصّدى أكثر من أيّ وقت مضى، بهدف التّنقل في بيئة مزدحمة ومتغيّرة بسرعة.

على الرّغم من ذلك، حتّى في المستعمرات الأكبر، الّتي يصل عدد الخفافيش فيها إلى ثمانمائة ألف خفّاش، فإنّها تكون قادرة على الخروج من الكهف في نفس الوقت تقريبًا، ونادرًا ما تصطدم ببعضها البعض. فكيف تتمكّن من القيام بذلك؟

“هذا السّؤال هو أحد الأسئلة الأساسيّة في هذا المجال: كيف تتحرّك الخفافيش في مجموعة، من دون أن تؤثّر على بعضها البعض؟”، هذا ما قاله البروفيسور يوسي يوفال من قسم علم الحيوان في جامعة تل أبيب، وذلك في مقابلة مع موقع معهد دافيدسون للتّربية العلميّة. “ويصل الأمر إلى الذّروة عند الخروج من الكهف”.

على مرّ السنين، اِقترح الباحثون إجابات مختلفة للمشكلة، لكنّ اختبار تلك الإجابات كان أمرًا صعبًا للغاية: اِعتمدت الدّراسات في كثير من الأحيان على مجموعات صغيرة من الخفافيش في المختبر، أو على تسجيلات للخفافيش في الطّبيعة والّتي سُجّلت من الأرض، لذلك واجه الباحثون صعوبة في إعادة سماع ما يسمعه الخفّاش داخل السّرب.

تُنشر حاليًّا دراسة أجراها يوفال ومعه باحثون آخرون من مختبره، اِستخدموا فيها أجهزة GPS صغيرة الحجم، لتتبّع حركة الخفافيش، وميكروفونات سجّلت نداءاتها. قادت الدّراسة د. آية جولدشتاين الّتي كانت طالبة أبحاث لدى يوفال، وتعمل الآن في معهد ماكس بلانك في ألمانيا. الاستنتاج الرّئيسيّ الّذي توصّل إليه الباحثون هو أنّه وعلى الرّغم من أنّ معظم أصداء صرصرة الخفافيش أثناء خروجها من الكهف قد حُجبت بالفعل، إلّا أنّها تظلّ تتلقّى معلومات بشكل كافٍ عن الخفافيش الأقرب إليها، من أجل أن تتمكّن من المرور في طريقها بأمان. إنّها لا تحتاج إلى استراتيجيّة خاصّة سوى تغيير طفيف في معدل نداءاتها، للتّغلّب على تأثير تداخل الأصوات.

העטלפים היחידים בארץ שהתנהגותם כוללת יציאה משותפת מהמערה, וגם גדולים מספיק בשביל שאפשר יהיה להצמיד אליהם תגי GPS ומיקרופונים. יזנוב גדול יוצא מהמערה | צילום:  Jens Rydell
الخفافيش الوحيدة في البلاد التي يتضمّن سلوكها مغادرة الكهف معًا، كما أنّها كبيرة بما يكفي لتركيب أجهزة GPS وميكروفونات على أجسادها. خفّاش من النوع فأريّ الذيل يخرج من الكهف | تصوير: Jens Rydell

تسجيل من على ظهر الخفاش

قال يوفال إنّ الباحثين قد ركّزوا على خفافيش فأريّة الذّيل، لأنّها الخفافيش الوحيدة في إسرائيل الّتي يتضمّن سلوكها مغادرة الكهف معًا، كما أنّها كبيرة بما يكفي من أجل وضع أجهزة GPS وميكروفونات على أجسادها دون التّأثير على قدرتها على الحركة. لكنّ كلمة “كبيرة” هي أمرٌ نسبيّ، إذ يبلغ وزن هذه الخفافيش ما بين 30 إلى 40 جرامًا فقط. الأجهزة الّتي استخدمها الباحثون لتوثيق مواقع الخفافيش هي أجهزة من نوع يُدعى “أطلس”، وهي تطوير إسرائيليّ للبروفيسور ران ناتان من الجامعة العبريّة، والبروفيسور سيفان توليدو من جامعة تل أبيب. يبلغ وزن كلّ جهاز أكثر بقليل من جرام واحد، ميزته الرّئيسيّة أنّه يقوم ببثّ المعلومات إلى محطّات القاعدة بحيث لا يقتصر الأمر على تخزينها فقط، وبالتّالي لا داعي للعثور على هذه الأجهزة وإعادتها. كان يتمّ جمع أجهزة الجيل السّابق من قبل الباحثين بعد سقوطها من على ظهور الخفافيش على أرضيّة الكهف، ولكن، وبطريقة لم يكن بالإمكان تجنّبها، كان بعض هذه الأجهزة يسقط خارج الكهف، في مكان ما على طول مسارات طيران الخفافيش، وكانت هذه الأجهزة تضيع مع المعلومات الّتي فيها. بمساعدة أجهزة أطلس، أصبح بالإمكان تتبّع عدد أكبر من الخفافيش، وهكذا تمكَّن الباحثون من تسجيل تحركات 96 فردًا من الخفافيش، بما في ذلك تحرّكات أكثر من 70 فردًا في ذات الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، قام الباحثون بتركيب ميكروفونات على قسم من الخفافيش لتسجيل نداءاتها ونداءات زملائها جانبها. هذه الأجهزة كان عليهم العثور عليها وإعادتها، ولذلك لديهم تسجيلات من 16 خفّاشًا فقط. قاموا بإطلاق الخفافيش الّتي تحمل الأجهزة بالقرب من مدخل الكهف، وهذه الخفافيش انضمّت إلى السّرب الخارج منه.

الأمر الأوّل الّذي ظهر من البيانات، هو أنّ الخفافيش تسارع بالانتشار والطّيران إلى اليمين أو اليسار بمجرّد خروجها من الكهف، وذاك يقلّل من الازدحام. بحسب ما قال يوفال “إنّ أعلى مستوى من الاضطراب يُرى عند الخروج من الكهف، لكنّه يستمرّ لثوانٍ فقط”. على بعد حوالي خمسين مترًا من مدخل الكهف، تبدأ الخفافيش بالابتعاد عن بعضها البعض، ويبدأ حجب صدى الأصوات بالتّناقص بشكلٍ كبير.

بالإضافة إلى ذلك، وباستخدام البيانات، تمكّن الباحثون من حساب درجة حجب أصداء الصّرصرة – أي إلى أيّ مدى تتداخل الصّرصرة الخاصّة بالجيران مع قدرة كلّ خفّاش على استقبال الصّرصرة الخاصّة به. وجد الباحثون أنّه وبالقرب من مخرج الكهف، كلّ ارتدادات الصّدى تقريبًا ضمن دائرة نصف قطرها ثلاثة أمتار من الخفّاش تكون محجوبة – 94 بالمئة من ارتدادات الصّدى لا تصل إلى آذانها – ولكن الوضع أفضل بكثير في دائرة نصف قطرها أصغر، متر واحد. في مثل هذا النّطاق، 63 بالمئة فقط من الأصداء تُحجب، ما يعني أنّ 37 بالمئة منها تصل إلى وجهتها. يوضّح يوفال أنّ الخفافيش لا تحتاج إلى كلّ المعلومات للتّنقّل: “تصرخ الخفافيش عشر مرّات في الثّانية، هناك الكثير من التّكرار، “إذا فاتني الصّدى في النّداء الأوّل، فسوف أسمعه في النّداء الثّاني”.

لقد غيّرت الخفافيش عاداتها بشكل طفيف كاستجابة للاضطراب، وأصدرت نداءات أقصر، بقوّة أقلّ، وبمعدّل أعلى – أي فترة زمنيّة أقصر بين النّداءات. أوضح يوفال أنّهم يزيدون من معدّل نداءاتهم في كلّ وضع يحتاجون فيه إلى الحصول على المزيد من المعلومات، ومن تلك الأوضاع، مثلًا، عندما يطيرون في منطقة يوجد بها الكثير من الجمادات. كما أنّ تقصير النّداءات يسهم في الحصول على مزيد من التّفصيل، لأنّ نهاية النّداء بهذه الطّريقة لا تتصادم مع صدى بدايتها.

העטלפים ממהרים להתפרש ולעוף ימינה או שמאלה ברגע שהם יוצאים מהמערה, וכך מפחיתים את הצפיפות. עטלפים עוזבים את המערה באלפיהם | צילום: ערן עמיחי
تنتشر الخفافيش بسرعة وتطير إلى اليمين أو اليسار بمجرّد خروجها من الكهف، ممّا يقللّ من الازدحام. خفافيش تغادر الكهف بالآلاف | تصوير: عيرن عميحاي

محاكاة الطيران

باستخدام البيانات من أجهزة أطلس ومن أجهزة التّسجيل، قام الباحثون بتطوير محاكاة لرحلة طيران الخفافيش. اِستخدموا فيها نموذج الأذن الدّاخليّة للخفّاش، لتحديد ما يسمعه في كلّ لحظة معيّنة، وفحصوا ما إذا كانت الخفافيش في المحاكاة قادرة على الاستجابة للمعلومات الّتي تتلقّاها والتّحرّك لتجنّب الاصطدامات. قال يوفال: “بالطّبع، هناك افتراضات عديدة في المحاكاة، لكنّنا حاولنا استخدام أبسطها: إنّ المعالجة في الدّماغ أبسط ما قد يكون، وإنّ حجب الأصداء هو الأعلى. إذا نجحت المحاكاة البسيطة في التّعامل مع الحجب، فالخفّاش على ما يبدو سينجح أيضًا”.

وفعلًا، نجحت الخفافيش في المحاكاة، حتّى حين كان الازدحام عاليًا جدًّا، لم تصطدم مع بعضها تقريبًا أبدًا. وقد قال يوفال إنّه تفاجأ من أنَّ الافتراضات لتحقيق هذه النتيجة كانت قليلة. “نعطي الخفافيش في المحاكاة قواعدَ بسيطة للغاية وقدرات بسيطة للغاية، ومع ذلك فإنها تظلّ قادرة على التّحرّك دون الاصطدام”.

بمساعدة المحاكاة، أظهر الباحثون أنّ الخفافيش لا تحتاج إلى استراتيجيّة خاصّة للنّجاح في الخروج من الكهف، أكثر ممّا تفعله في أيّ موقف يتطلّب الانتباه إلى الظّروف البيئيّة. وذلك على النّقيض من الفرضيّات الّتي تمّ طرحها في السّابق، والّتي بحسبها تتبنّى الخفافيش سلوكيّات مختلفة لتجنّب الحجب، مثل: تغيير وتيرة نداءاتها، بحيث تكون مختلفة عن بعضها البعض، أو النّداء في أوقات مختلفة بحيث لا تتداخل النّداءات. لم يتمّ العثور على أيّ دليل على استخدام مثل هذه السّلوكيّات في تسجيلات الخفافيش فأريّة الذّيل، وتُظهر المحاكاة كذلك أنّها لا تحتاج إليها.

من المحتمل، بطبيعة الحال، أنّ الخفافيش تستخدم معالجةً أكثر تطوّرًا من الافتراضات البسيطة المضمّنة في المحاكاة، ومن المحتمل أيضًا أنّها تستخدم حواسّ إضافيّة مثل البصر. على عكس الاعتقاد السّائد، الخفافيش ليست عمياء، وبما أنّها تخرج من الكهف عند الغسق، عندما يكون هناك ضوء، فإنّها قد تستخدم هذه الحاسّة أيضًا للتّنقّل. لكنّ الأبحاث تُظهر أنّه حتّى بدون هذه المساعدة الإضافيّة، فإنّ حاسّتهم الأساسيّة، وهي تحديد الموقع بالصّدى، كافية للسّماح لهم بالتّنقّل بأمان.

في بيان صحفيّ اختتمت جولدشتاين قائلة: “إنّ الدّراسات النّظريّة والمخبريّة الّتي أُجريت في الماضي تسمح لنا بالتّكهّن باحتمالات مختلفة. ولكن فقط عندما نضع أنفسنا، قدر الإمكان، في مكان هذه الكائنات، يمكننا حينها أن نفهم التّحدّيات الّتي تواجهها وما الّذي تفعله للتّعامل معها”.

Additional content that may interest you

العلاج بالبكتيريا عن طريق الأنف

هندس الباحثون، في دراستين مختلفتين، البكتيريا، بحيث تفرز الموادّ – الهورمونات لدماغ الفئران، والإنزيمات المضادّة للأكسدة لِخلايا مزرعة خلويّة. هل يمكن أن ترسل البكتيريا الأدوية إلى الدّماغ عن طريق الأنف؟

calendar 19.6.2025
reading-time 3 دقائق

عطاء بلا مقابل: كيف يعمل الإيثار في الدّماغ؟

ما الّذي يدفعنا إلى التّنازل من أجل الآخرين؟ بحثٌ جديد يكشف الصلة بين مستقبلات الأفيونات في الدّماغ والسّلوك الإيثاريّ، ويُظهر أنّ هناك آليّات بيولوجيّة تشجّعُنا على المساعدة دون مقابل

calendar 10.11.2025
reading-time 5 دقائق

التّعرُّف على التّزييف العميق بمساعدة علم الفلك “الخداع عينك عينك”

استخدم الباحثون أداةً تُستخدَم عادةً لتحليل صور المجرّات في تحليل انعكاس الضّوء في العينيْن، واستطاعوا بذلك التّعرّف على الصّور غير الحقيقيّة الّتي أُنتجت باستخدام الذكاء الاصطناعيّ

calendar 12.1.2025
reading-time 3 دقائق