قد يصيب الشّباب مرض باركنسون (الشّلل الرّعاش) – مرض تنكّسيّ في الجهاز العصبيّ، مع أنّه يُعدُّ مرض شيخوخة. يصيب المرض الخلايا العصبيّة الّتي تفرز الدّوبامين، النّاقل العصبيّ الّذي له، من بين العديد من الوظائف، دور في التّحكّم بحركات الجسم. يعاني مرضى الباركنسون، الّذي يتطوّر بشكل تدريجيّ، من مشاكل مختلفة في الحركة، على رأسها البطء، ارتعاش اليدين، اضطرابات في الكلام وأعراض أخرى منها الاضطرابات في النوم، صعوبات في الذّاكرة، آلام في العضلات، تغيّرات في المزاج والاكتئاب والخوف والقلق.
قد تساعد الأدوية والعلاجات المتوفّرة، مثل النّشاط الجسمانيّ، في إبطاء تطوّر المرض الّذي لا علاج له حتّى الآن. قد يساهم التّشخيص المبكّر للمرض في تأخير ظهور أعراضه، ويمنح المريض بضع سنين إضافيّة من الحياة الصّحّيّة. على الرغم ممّا ذكر، يُشَخَّص المرض عادةً بعد ظهور أعراض واضحة – خاصّةً الارتعاش. يُمكن إجراء التّشخيص المبكّر من خلال التّصوير ورسم خرائط الدّماغ، إلّا أنّ هذه الطريقة مرهقة ومكلفة، وتتطلّب مبرّرًا طبيًا لإحالة المريض لإجراء مثل هذا الفحص.
اقتُرحَ في دراسة أُجريت قبل بضع سنين تشخيص مرض باركنسون، عن طريق قياس وتيرة التّنفّس خلال النّوم، إلّا أنّ هذه الطريقة ما زالت قيد التّطوير. طُوّرت قبل حوالي سنتين طريقة أخرى لتشخيص المرض تعتمد على فحص الزلال (البروتين) ألفا – ساينيوكلين، الّذي له دور في أمراض التّنكّس العصبيّ، إلّا أنّه يجب جمع العيّنة لهذا الفحص من السّائل النّخاعيّ – وهي عمليّة مؤلمة وليست سهلة. أَضِف إلى ذلك، أنّ نتائج هذا الفحص لا تميّز بشكل قاطع بين مرض باركنسون وأمراض التنكّس العصبيّ الأُخرى، الأمر الذي يستوجب إجراء مجموعة كاملة أخرى من الفحوصات، حتّى بلوغ التّشخيص الدّقيق والمؤكّد.

توجد علاقة بين عدد عضيات الميتوكندريا (المتقدِّرات) ومرض باركنسون. في الصّورة عَضيّة ميتوكندريون | Aldona Griskeviciene, Shutterstock
الميتوكوندريا (المُتقدِّرات) ومرض باركنسون
وُجدت في دراسة جديدة وجهة أخرى لتشخيص المرض بواسطة فحص دم بسيط. الميتوكوندريا (المتقدّرات – مفردها ميتوكندريون، متقدرة) هي محطّات توليد الطاقة في الخليّة – عضّيّات تزوّد الطّاقة للعمليّات الّتي تجري في الخليّة. يوجد للميتوكندريا حمض نوويّ، DNA، منفرد لا يُشكّل جزءًا من المادّة الوراثيّة الرّئيسة والمحفوظة داخل نواة الخليّة. هناك أعداد مختلفة من عضيّات الميتوكوندريا في خلايا الجسم المختلفة، ويمكن تقدير عددها عن طريق قياس الحمض النّوويّ، DNA، الميتوكوندريّ بواسطة فحص PCR الّذي يستخدم في تشخيص الأمراض الوراثيّة والأمراض المُعدية، أو بواسطة تحديد التّسلسل المورثيّ (الجينيّ).
كشفت دراسة أُجريت في إنجلترا قبل عقد من الزّمن وجود علاقة بين عدد عضّيّات الميتوكوندريا في الدم ومرض باركنسون، إلّا أنّ هذه الدّراسة اقتصرت على أقلّ من 400 شخص، ولا يُمكِن استخلاص استنتاجات قاطعة منها. من هذا المنطلق، قرر باحثون من مختبر ملني باهلو (Bahlo) للدراسات والأبحاث في جامعة ملبورن في استراليا إجراء دراسة أوسع، على آلاف العيّنات. استخدم الباحثون في هذه الدّراسة مُجمّع بيانات مورثيّة (جينيّة)، أُخذت من حوالي 5000 مريض باركنسون، وتضمّنت بيانات سريريّة، أي معلومات حول تشخيص المرض وأعراضه. احتوى جزء من العيّنات على معلومات عن تركيب خلايا الدّم.
توصّل الباحثون إلى وجود رابط إحصائيّ واضح بين انخفاض مستويات عضّيّات الميتوكوندريا في خلايا الدّم ومرض باركنسون. بالإضافة إلى ذلك، فقد وُجدت علاقة واضحة بين الانخفاض بمستوى عضّيّات الميتوكوندريا وشدّة الأعراض المرتبطة بالحركة، وكذلك أحد أعراض المرض الأخرى – ضعف حاسّة الشّمّ، والّذي يظهر عادةً في وقت مبكّر من تطوّر المرض. لم يجد الباحثون، على الرغم من ذلك، علاقة سببيّة بين انخفاض كمّيّة الميتوكوندريا في الدم ومرض باركنسون.
فحص الباحثون أيضًا فيما إذا كانت هناك فروق في تركيبة الدّم، إذ يختلف عدد عضّيّات الميتوكوندريا في الخلايا المختلفة. وجد الباحثون أنّ الرّابط الإحصائيّ قد تضاءَلَ عند ملاءَمة التّحليل الإحصائيّ وفقًا لتركيب الدّم. وتبيّن للباحثين وجود علاقة بين التّغيرات في تركيب خلايا دم الجهاز المناعي وتشخيص المرض، وشدة الأعراض وإصابة حاسّة الشّمّ.
يدّعي الباحثون: يبدو أنّ العلاقة الّتي وُجدت قد نجمت عن التّغيرات في تركيب خلايا الدّم، ولا يبدو أنّها مرتبطة بنشاط الميتوكوندريا. صحيح أنّه من المغري استخدام تعداد عضّيّات الميتوكوندريا في الدّم كطريقة لتشخيص المرض، إلّا أنّ الباحثين يوصون إجراء المزيد من الدّراسات المكمّلة على عدد أكبر من الأشخاص، وذلك لترسيخ العلاقة بين مرض باركنسون وتركيب الدم أو الميتوكوندريا.