تعد جائزة نوبل من أبرز وأرفع الجوائز التي تحتفي بالإنجازات العلمية والإنسانية في العصر الحديث، إذ تُمنَح منذ عام 1901 لتكريم أفرادٍ أو منظماتٍ على إنجازاتهم الاستثنائية في تطوير المعرفة البشرية أو في إحلال السلام والعدالة بين الشعوب.
وتعود أصول هذه الجائزة الى الكيميائي والمهندس السويدي ألفرد نوبل الذي سجل ما لا يقل عن 355 براءة اختراع، أشهرها اكتشاف الديناميت. وعلى الرغم من نبذه للحروب، إلا أن اسمه ارتبط بشكلٍ وثيقٍ بالصناعات الحربية، حتى أنه عند وفاة أخيه عام 1888 قامت إحدى الصحف الفرنسية بنعي نوبل عن طريق الخطأ ووصفته “بتاجر الموت”. ولعلّ هذه الحادثة من أبرز العوامل التي دفعت نوبل إلى كتابة وصيته الشهيرة التي تنص على تخصيص 94٪ من ثروته الضخمة لإنشاء صندوق يحمل اسمه ويمنح جوائز قيمة لمن يقدّم أعظم فائدة للبشرية في في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام.
نوبل 2025: دوائر كمّية ومناعة ذاتية وهياكل تلتقط الغازات، عام من الإنجازات العلمية العميقة
لم يكتفِ نوبل بتخصيص معظم ثروته لتمويل الصندوق المخصص للجوائز، بل تطرق في وصيته إلى أهدافها وآلية توزيعها. فقد حدد المجالات الخمسة التي تمنح فيها الجوائز،وهي: : الفيزياء، الكيمياء، الطب أو علم الأعضاء، الأدب، والسلام. كما أوضح أنّ عوائد استثمار الصندوق ستكون المصدر المالي الدائم لتمويلها.
كذلك حدّد نوبل الجهات المسؤولة عن منح الجوائز؛ فأوصى أن تمنح الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم كل من جوائز الفيزياء والكيمياء، وجائزة الطب من قبل معهد كارولينسكا في ستوكهولم، وجائزة الأدب من قبل الأكاديمية السويدية، أما جائزة السلام فهي الوحيدة التي تمنح من قبل مؤسسة غير سويدية فقد أوصى بأن تمنح من قبل لجنة من خمسة أعضاء يُنتخبون من البرلمان النرويجي.
البدايات:
بعد وفاة ألفرد نوبل عام 1896، استغرقت الإجراءات القانونية نحو خمس سنوات لتنفيذ وصيّته، إذ أُسِّست عام 1900 مؤسسة نوبل (Nobel Foundation) للتولى تنظيم وإدارة الجوائز من الناحية الإدارية والمالية . وبعد عامٍ واحد، في 10 ديسمبر 1901 – ذكرى وفاة نوبل- تم تنظيم أول مراسم رسمية لتوزيع هذه الجوائز.
ومنذ الاحتفال الأول إلى اليوم، نفذت وصية نوبل بدقة مذهلة رغم ما واجهها من عقبات قانونية تتعلق بالورثة وآليات التنفيذ. ومع مرور الوقت، تم إجراء بعض التعديلات الإدارية من قبل مؤسسة نوبل ومن أبرزها اضافة جائزة العلوم الاقتصادية عام 1969، بمبادرة من البنك المركزي السويدي تخليدا لذكرى نوبل. حيث تمنح الجائزة على شرفه وفق ذات الطقوس ولكن بتمويل مستقل.
كما وقررت المؤسسة الامتناع عن تقديم الجوائز في حالة عدم وجود إنجازٍ علميٍّ يرقى لمستوى “أعظم فائدة للبشرية” في سنة معينة، بدلًا من تقديمها لمستحق لا يستوفي الشروط اللازمة.
آلية منح جوائز نوبل:
تتميّز جوائز نوبل باتّباعها شروطا صارمة محايدة ونزيهة، وتنفّذ بسريّة تامة بدءّا من اختيار المرشحين إلى مرحلة التتويج. ففي شهر سبتمبر من كل عام، يتم إرسال دعوات رسمية من قبل اللجان المختصّة إلى مجموعة محدّدة من الأكاديميين والعلماء والحاصلين السابقين على جائزة نوبل، بالإضافة إلى عدد من السياسيين والحقوقيين من أجل تقديم ترشيحاتهم للأفراد أو المؤسسات الجديرة بالتكريم، على أن لا يتم ترشيح الشخص لنفسه.
تُقبل الطلبات حتى شهر يناير من العام التالي، لتبدأ بعدها مرحلة المراجعة الأوليّة وفرز الطلبات، تليها مرحلة التقييم العلميّ بما تحمله من مناقشات عميقة ومُفصّلة لأهميّة الإنجاز وأثره العلميّ او الإنسانيّ، على أيدي خبراء مستقلّين من مختلف أنحاء العالم. تستمر هذه النقاشات حتى مرحلة التصويت النهائي والمصادقة الرسمية من قبل المؤسسة المانحة، ليُعلَن بعدها عن أسماء الفائزين في شهر أكتوبر. تجري هذه العملية في سريّة تامّة، إذ تُحفظ أسماء المرشحين وتفاصيل النقاشات لمدة خمسين عامًا قبل السماح بنشرها.
أما مرحلة التكريم فتقام المراسم في العاشر من ديسمبر، في قاعة الحفلات الموسيقية في ستوكهولم العاصمة السويدية، باستثناء جائزة نوبل للسلام التي تسلم في العاصمة النرويجية أوسلو. يحصل الفائز على ميدالية ذهبية وشهادة تقدير رسمية فنية فريدة، ومبلغ مالي كبير حددت قيمته لعام 2025 بمبلغ 11.0 مليون كرونة سويدية (SEK).
ومن الجدير بالذكر أنّه يمكن منح الجائزة لفرد واحد أو لمجموعة من الأشخاص على أن لا يتجاوز عددهم الثلاثة أشخاص، حيث تمنح الجائزة لهم بالاشتراك، سواء أكانوا قد تعاونوا في بحثٍ واحد أو في أعمالٍ منفصلة. ومن الممكن أن تقدم أيضًا إلى منظمات وهيئات دولية في حال كان تأثيرها الإنساني بارزًا.
أبرز جوائز نوبل في الفيزياء
كانت الفيزياء أول مجالٍ علميٍّ ذكره ألفريد نوبل في وصيته. ومنذ عام 1901، مُنحت 119 جائزة نوبل في الفيزياء، حيث أنّها لم تُمنح في ست سنوات وهي: 1916، 1931، 1934، 1940، 1941، و1942. منحت 47 جائزة نوبل في الفيزياء لعالِم واحد فقط، و33 جائزة تقاسَمها عالمان اثنان، بينما 39 جائزة اقتُسمت بين ثلاثة علماء، ليبلغ مجموع الحاصلين عليها 229 عالِمًا، من بينهم تفرّد جون باردين ( Bardeen) بكونه العالِم الوحيد الذي فاز بها مرتين، عن إنجازاته في تطوير نظرية الموصلية الفائقة واختراع الترانزستور.
من بين ال 229 عالِمًا حصلت خمس نساء فقط على جائزة نوبل في الفيزياء ومنهن:ماري كوري ( Curie)، التي فازت بالجائزة عام 1903 – إلى جانب بيير كوري وهنري بيكريل – تقديرًا لاكتشافهم ظاهرة الإشعاع، لتكون بذلك أول امرأة تنال جائزة نوبل في التاريخ.
كما فازت أندريا غيز (Ghez) بالجائزة عام 2020، تقديرًا لاكتشافها – بالتعاون مع راينهارد غينزل ( Genzel) – وجود جسم فائق الكتلة في مركز مجرّة درب التبّانة، وهو ما عُدَّ دليلًا مباشرًا على وجود ثقبٍ أسود هائل. وقد شاركا نصف الجائزة مع روجر بنروز ( Penrose)، لاكتشافه أنّ تكوُّن الثقوب السوداء هو تنبّؤ قوي لنظرية النسبية العامة لأينشتاين.
وفي يوم الثلاثاء الماضي السابع من أكتوبر أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 لكل من جون كلارك (Clarke)، ميشيل ديفوريه (Devoret)، وجون مارتينيس ( Martinis)، لاكتشافهم النفق الكمّي (Quantum Tunnelling) والتكميم الطاقي (Energy Quantisation) على المستوى العياني في دائرة كهربائية. مما يُعدّ خطوة جوهرية في فهم الظواهر الكمية على المقاييس الماكروسكوبية، ويمهّد الطريق لتطبيقات مستقبلية في الدوائر الكمية والحوسبة الكمية.
أبرز جوائز نوبل في الكيمياء
كان نوبل شغوفا بالكيمياء،وكانت جائزة نوبل في الكيمياء ثاني الجوائز التي ذُكرت في وصيته. منذ عام 1901، مُنحت 117 جائزة نوبل في الكيمياء، حيث أنّها لم تُمنح في ثماني سنوات وهي: 1916، 1917، 1919، 1924، 1933، 1940، 1941، و1942.
منحت 63 جائزة نوبل في الكيمياء لعالِم واحد فقط، و25 جائزة تقاسَمها عالمان اثنان، بينما 29 جائزة اقتُسمت بين ثلاثة علماء، ليبلغ مجموع الحاصلين عليها 198 عالِمًا. وقد حصل كل من فريدريك سانغر ( Sanger) وباري شاربلس (Sharpless) على الجائزة مرتين.
كما واستطاعت ثماني نساء أن يحفرن أسماءهن ضمن هذه القائمة،ومن بينهنّ عالِمتان نالتا الجائزة بشكلٍ منفرد دون أن تتقاسماها مع أحد، وهما: ماري كوري ( Curie)، أول امرأة تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1911 تقديرًا لاكتشافها عنصري البولونيوم والراديوم وأبحاثها الرائدة في النشاط الإشعاعي. ودوروثي كروفوت هودجكن (Dorothy Crowfoot Hodgkin) التي فازت عام 1964 بفضل إسهاماتها في تحديد تراكيب المواد الحيوية باستخدام تقنيات الأشعة السينية(X-ray).
وفي عام 1999، حصل العالم المصري أحمد حسن زويل على جائزة نوبل في الكيمياء تقديرًا لدراساته حالات الانتقال في التفاعلات الكيميائية باستخدام مطيافية الفيمتوثانية (Femtochemistry) ليغدو بهذا أوّل عالم عربيّ يتلقّى جائزة نوبل في العلوم.
منحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025 في يوم الأربعاء الماضي الثامن من أكتوبر، لكلٍّ من سوسومو كيتاغاوا (Kitagawa) وريتشارد روبسون (Robson) وعمر ياغي(Yaghi) – العالِم العربيّ الأردني من أصلٍ فلسطينيّ – لابتكارهم الأطر الفلزية العضوية (Metal–Organic Frameworks – MOFs)، وهي تراكيب هندسية فريدة ذات مسامات واسعة تسمح بدخول الجزيئات وخروجها بحرية. وقد استُخدمت هذه المواد في تطبيقات رائدة، مثل: استخلاص الماء من هواء الصحراء،تنقية المياه من الملوّثات، التقاط ثاني أكسيد الكربون.
أبرز جوائز نوبل في الطب:
كان مجال علم وظائف الأعضاء أو الطب هو ثالث المجالات التي ذُكرت في وصية نوبل، بعد الفيزياء والكيمياء. منذ عام 1901، مُنحت 116 جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء. حيث أنها لم تُمنح في تسع مناسبات، وهي الأعوام: 1915، 1916، 1917، 1918، 1921، 1925، 1940، 1941، و1942.
وقد تنوّعت أنماط منح الجائزة؛ فـقد منحت 40 جائزة لعالِم واحد، و36 جائزة اقتسمها عالمان، بينما تقاسم ثلاثة علماء الجائزة نفسها في 40 مناسبة، ليصل مجموع الحاصلين على الجائزة إلى 232 عالِمًا.
من بين الـ 232 عالِمًا كانت 14 امرأة فقط ضمن الفائزين. تُعدّ باربرا مكلِنتوك ( McClintock) المرأة الوحيدة التي نالت الجائزة بشكل منفرد، وذلك عام 1983، تقديرًا لاكتشافها العناصر الوراثية المتحركة (Mobile Genetic Elements).
وفي يوم الاثنين الماضي السادس من أكتوبر أعلنت جمعية نوبل في معهد كارولينسكا عن أسماء الفائزين بجائزة نوبل في الطب لعام 2025، وهم ماري برونكاو ( Brunkow) فريد رامسدِل ( Ramsdell) وشيمون ساكاغوتشي ( Sakaguchi) لاكتشافهم آلية التحمّل المناعي المحيطي (Peripheral Immune Tolerance) — وهي العملية التي تمنع الخلايا التائية (T cells) في جهاز المناعة من مهاجمة خلايا الجسم نفسه، كما يحدث في الأمراض المناعية الذاتية.
Additional content that may interest you
الفضاء في أسبوع – ستارلنك الصّينيّ
شرعت شركة صينيّة خاصّة بإنشاء شبكة اتّصالات عن طريق الأقمار الصّناعيّة، أمّا السّفينة الفضائيّة بوينغ، فقد تمّ تأجيل إطلاقها مرّة أخرى، وتقترب المهمّة الخاصّة شيئًا فشيئًا من وضعها حيّز التّنفيذ، أمّا محطّة أرتميس الفضائيّة، فهي أصغر ممّا ينبغي. هاكم سردًا أسبوعيًّا ملخّصًا لِمستجدّات ما يحصل في أرجاء الكون.