تَنتج الجزيئات التي اكتُشِف وجودها، في دراسة استعانت بِمقراب (تلسكوب) جيمس وِب الفضائي، في الغلاف الجوّيّ لكوكَب سيّار في مجموعة شمسيّة غير مجموعتنا، على الكرة الأرضيّة من النشاط البيولوجيّ فقط. لكن، هذا الاكتشاف لا يُشكّل إثباتًا على وجود الحياة في ذلك الكوكب.
يبعد النجم الصغير K2-18 – القزم الأحمر في كوكبة الأسد (ليو) – عنّا 124 سنة ضوئيّة. كشفت القياسات التي أُجريت سنة 2015 بواسطة مِقراب (تلسكوب) كيبلر الفضائيّ عن وجود كوكب سيّار يدور حول هذا النجم، سُمّيَ K2-18b. تبلغ كتلة هذا الكوكب ثمانية أضعاف كتلة الأرض، ويُدعى كوكبًا شبيه نبتون، أي أنّ كتلته أصغر قليلًا من كتلة الكوكب نبتون. أثار الغلاف الجوّيّ لهذا الكوكب، إلى جانب وجوده في “المنطقة الصالحة للسكنى” – أي على بعد من نجمه يتيح درجة حرارة مناسبة لوجود ماء سائل عليه -،
فضول العلماء. أشارت القياسات الأوّليّة إلى وجود بخّار الماء في غلاف الكوكب الجوّيّ، وأشارت القياسات الإضافيّة، التي أجريت بالاستعانة بِمقراب جيمس ويب إلى وجود ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) أيضًا. جزيئات هاتين المادّتين هي جزيئات كربونيّة بسيطة، وهي تشكّل جزءًا لا يتجزَّأ من مجرى الحياة على الكرة الأرضيّة، إذ تنبعث مع كلّ زفير أو أخراج ريح – لكنّها قد تنتج أيضًا خلال عمليّات ليست بيولوجيّة بالضرورة. ارتفع مستوى الفضول ليصل ذروة جديدة عندما تبيّن من القياسات الجديدة التي نُشرت في شهر (أبريل- نيسان 2025) وجود مادَّتين بسيطتين في الغلاف الجوّيّ للكوكب لا تنتجان في الكرة الأرضيّة، حسب ما هو معلوم لنا، إلّا خلال العمليّات البيولوجيّة.
يحتوي غلافه الجوّيّ على جزيئات بسيطة مثل الميثان والهيدروجين. محاكاة بعين الفنان للكوكب السيّار K2-18b، وشمسَه مشرقة عن اليسار| المصدر: NASA, CSA, ESA, J. Olmsted (STScI), Science: N. Madhusudhan, Cambridge University
“علامة قويّة وواضِحة”
اتّضح من خلال القياسات الجديدة التي نُشرت في مقال في مجلة Astrophysical Journal Letters وجود جزيئات كبريتيد (سولفيد) ثنائي الميثيل (باختصارDMS، صيغته CH3-S-CH3)، و جزيئات ثنائي كبريتيد ثنائي الميثيل (DMDS، صيغته CH3-S-S-CH3) في الغلاف الجوّيّ للكوكب K2-18b. توجد رائحة حادّة كريهة لِجزيئات كبريتيد ثنائي الميثيل، وهي مادّة واسعة الانتشار في الكرة الأرضيّة. تنتج هذه المادّة من تحليل البكتيريا للمواد البيولوجيّة، وهي مقرونة بروائح البحر، حيث تحلّل البكتيريا كمّيّات هائلة من الطحالب والعوالق النباتيّة (الفيتوبلانكتون) الصغيرة، وتنبعث كمّيّات كبيرة من DMS إلى الجوّ. ثنائي كبريتيد ثنائي الميثيل هي أيضًا مادّة ذات رائحة كريهة جدًّا، وهي مقرونة بالكثير من العمليّات البيولوجيّة. تنتج هذه المادّة من فعاليّات ونشاط البكتيريا والفطريّات، والنبات والحيوان. يعتمد، على سبيل المثال، نبات “زهرة الجثّة” من الفصيلة اللوفيّة المشهور برائحته الكريهة التي تجذب الذباب الملقِّح، بشكل أساسيّ على DMDS وَDMS لإنتاج رائحته الكريهة.
قد أشار الباحثون إلى احتمال وجود الـ DMS في الغلاف الجوّيّ للكوكب K2-18b، وذلك من خلال القياسات السابقة التي أُجريت بِمقراب جيمس ويب الفضائيّ. أُجريت تلك القياسات بِجهازين من أجهزة المقراب يعملان في مجال الأشعّة تحت الحمراء القريبة، أي بأمواج طولها أقلّ من 5 ميكرون. اعتمد الباحثون في الدراسة الجديدة على جهازٍ آخر في المقراب ذاته (MIRI)، يقيس الأشعّة في مجال أطوال الأمواج 6 – 12 ميكرون.
يُحلّل الباحثون أطوال أمواج الطيف الضوئيّ (سبكترومتريا)، للكشف عن الموادّ التي يتكوّن منها الغلاف الجوّيّ لكوكب سيّار بعيد. يُشكّل نمط امتصاص أطوال أمواج الأشعّة وانبعاثها (طيف الامتصاص والانبعاث)، لكلّ مادّة بصمة إصبع تُميّزها عن غيرها من الموادّ. يُصوّر الباحثون الكوكب السيار، لقياس تركيب غلافه الجوّيّ، بواسطة المِقراب، ويحلّلون تركيب الضوء الذي يمرّ من خلال غلافه الجوّيّ، ثمّ يقارنوه مع ضوء المقراب العاديّ، الذي لم يمرّ من خلال الغلاف الجوّيّ للكوكب. إنّها مهمّة صعبة ومعقّدة حتّى عندما تُجرى في ظروف مثاليّة، ويزداد التعقيد في حال أُجريت القياسات للكشف عن الغلاف الجوّيّ لأجرام سماويّة صغيرة نسبيًّا، وتبعد أكثر من 120 سنة ضوئيّة عن الأرض. من الصعب التوصّل إلى قدر كبير من اليقين، وينبغي، لذلك، تحليل المشاهدات والقياسات بدقّة عالية من أجل التوصل إلى استنتاج واضح. قال نيكو مدوسدان (Madhusudhan)، رئيس طاقم البحث، من جامعة كامبريدج في إنجلترا: “إنّه قياس مستقلّ، أُجري بجهاز مختلف عن الأجهزة التي استُخدمت سابقًا، في مجال مختلف من أطوال الأمواج دون تطابق مع القياسات السابقة، وكانت العلامة (الإشارة) قويّة وواضِحة”. أضاف مانس هولمبرج (Holmberg) من معهد المقراب الفضائيّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة والمُوقّع هو الآخر على المقال : “لقد كان من المذهل حقًّا أن نرى النتائج ظاهرةً ومتّسقةً في جميع التحليلات واختبارات الموثوقيّة”.
تتوافق هذه النتائج مع نموذج كوكب سيّار له غلاف جوّيّ غنيّ بالهيدروجين، وعلى سطحه محيط من المياه التي قد تدعم وجود الحياة. يسمّى مثل هذا الكوكب السيار هيسيان (“Hycean” – كلمة ناتجة من دمج كلمتي Hydrogen = هيدروجين، وَ Ocean = محيط). تابع مدوسدان قائلًا: “لقد تنبّأت الدراسات والأبحاث النظريّة السابقة باحتمال وجود مستويات عالية من غازات تحتوي على الكبريت، مثل DMS وَ DMDS في العوالم الهيسيانيّة، وها نحن نرى ذلك حقًّا، كما تنبّأت النماذج. تناسب مجمل المعطيات المتوفّرة لدينا عن هذا الكوكب كونه عالَمًا هيسانيًّا فيه محيط يعجّ بالحياة”.
حافظت النتائج على اتّساقها. نتائج القياس بواسطة مقراب جيمس ويب (النقاط الصفراء) على خلفيّة المعطيات المتوقّعة وفقًا للنماذج (الشريط الأزرق) | المصدر: A. Smith, N. Madhusudhan, Cambridge University
الكثير من علامات الاستفهام
ينبغي علينا، على الرغم من التفاؤل الذي غمر طاقم الدراسة المذكورة، التطرّق إلى العديد من النقاط الهامّة قبل الإسراع في الإعلان عن وجود حياة خارج المجموعة الشمسيّة. يتطرّق الأمر الأوّل إلى درجة الدلالة الإحصائيّة في الدراسة، إذ يشير الباحثون أنفسهم إلى أنّها 3 – سيجما، وهو مصطلح في الإحصاء يعني احتمال بنسبة 0.3 بالمائة بأن تكون النتائج غير حقيقيّة أو أنها ناتجة عن طريق الصدفة. مستوى الدلالة الإحصائيّة المعتاد في مثل هذه الدراسات هو 5 – سيجما، حيث ينخفض احتمال حدوث مثل هذا الخطأ إلى 0.00005 فقط. ذلك يعني، عمليًّا، احتمالًا قليلًا لنتائج خاطِئة، إلّا أنّه ليس قليلًا بما فيه الكفاية.
ويتطرّق الأمر الآخر إلى تركيز DMS وَ DMDS على الكوكب K2-18b، إذ أشارت النتائج إلى أنّه يفوق عشرة آلاف ضعف تركيزها في الغلاف الجوّيّ للكرة الأرضيّة. يُقدّر تركيز هذه الجزيئات في الغلاف الجوّيّ للكوكب المذكور بعشرة جسيمات من بين مليون جسيم، في حين يبلغ تركيزها في الغلاف الجوّيّ للكرة الأرضيّة جسيمًا واحدًا من بين مليار من الجسيمات. يجب إجراء المزيد من الدراسة والبحث من أجل التحقّق من هذا المعطى وفهمه، والذي اعترف الباحثون بعدم وضوح معناه – بافتراض كونه صحيحًا – على الرغم من ملاءَمته للنماذج. يقول سوفنيت ساركر(Sarkar)، وهو عضو آخر في طاقم البحث من جامعة كارديف في بريطانيا: “تتراود أسئلة متعمّقة حول العمليّات التي نتجت منها هذه الجزيئات ذات التوقيع البيولوجيّ”.
أمّا الأمر الأهمّ، فيتمثّل في أنّه حتّى إذا كانت النتائج صحيحة ودقيقة، فإنّ حقيقة ما نعلمه عن عدم وجود عمليّات غير بيولوجية قد تنتج منها هذه المواد على الكرة الأرضيّة، لا تضمن عدم وجودها على كواكب أخرى. نحن لا نعرف هل يمكن لمثل هذه الجزيئات البسيطة أن تنتج على الكوكب المذكور من عمليّات غير بيولوجيّة بحتة، ولا نعرف ما هي الظروف السائدة على سطحه، تحت غلافه الجوّيّ، وما هي العمليّات البركانيّة أو غيرها التي تحدث هناك. لقد تبيّن قبل عدّة أشهر أنّ عينات من كويكب بينو تحتوي على جزيئات معقّدة، من ضمنها جزيئات تُشكل لبنات الأساس لوجود الحياة، الأمر الذي يزيد من معقوليّة تكوّن جزيئات أبسط منها في كوكب سيّار بعيد.
الأمر الآخر الذي لا يقلّ أهمّيّة: الكوكب المذكور بعيد جدًّا عن الأرض من الناحية العمليّة، على الرغم من أنه قريب جدًّا بمصطلحات كونيّة. لنفرض أنّنا بعثنا سؤالًا من الأرض إلى سكّان هذا الكوكب، بافتراض وجود كائنات حيّة عقلانيّة عليه، فسوف تصلنا الإجابة منهم بعد مرور 240 سنة، فإذا سألناهم مثلًا عن حالتهم الصحّيّة فأجابوا، فإنّ أحفاد أحفاد أحفاد أحفاد أحفاد أحفادنا هم الذين قد يطلّعون على إجابتهم. وإذا أرسلنا رحلة فضائيّة إلى هذا الكوكب باستخدام التقنيّات المتوفّرة لدينا، فإنّ الرحلة تستغرق ملايين السنين – زمنًا يزيد عن فترة وجود الجنس البشريّ برمّته.
يدرك الباحثون هذه التحفّظات، ولا يتجاهلونها ولا يحاولون طمسها. كان عنوان الإعلان للصحافة الذي قدّمته جامعة كامبريج حذِرًا: “أقوى الأدلّة حتّى الآن على وجود نشاط بيولوجيّ خارج النظام الشمسيّ”.
أما الصحافة ووسائل الاتصال فقد ضخّمت النبأ وطمست التحفّظات، كعادتها، في كثير من الحالات. فمن العناوين التي نشرت، على سبيل المثال: “العثور على مؤشّرات دامِغة على وجود الحياة على كوكب آخر”. تختلف الحقيقة طبعًا عمّا أشارت إليه هذه العناوين، إلّا أنّ الاكتشاف المذكور- الذي يستدعي المزيد من الدراسة والبحث – مثير للاهتمام، إذ يوفّر لنا رمزًا صغيرًا آخر على أنّنا لسنا الكائنات الحيّة الوحيدة في الكون.
أبعد من أن يكون دليلًا على وجود الحياة. يعرض الفيديو التالي، الصادر عن جامعة كامبريج، الدراسة المذكورة:
أتاح أسلوب معالجة البيانات الّذي كان قد طُوِّرَ أصلًا للفحوصات الطِّبّيّة، مثل: الموجات فوق الصّوتيّة (أولتراساوند)، إنشاء صورة مفصّلة للتّشكيلة تحت الأرضيّة لجبل بركانيّ في البحر الكاريبيّ.
تبيّن أنّ البشر والقرود قادرون على التّعرّف على الثّعابين والاستجابة لها بسرعةٍ تفوق استجابتهم للأجسام الأخرى. كما أظهر بحثٌ جديد أنّ القشور الّتي تُغطّي جلد الثّعابين تُشكِّل العامل الأساسيّ الّذي يلفت انتباه القرود ويدفعها لاتّخاذ ردِّ فعل سريع.