لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
علم الأحياء أخبار العلوم

لغة قرود البونوبو المتطوّرة

تشير دراسة جديدة إلى أنّ البونوبو، أحد أقرب أقرباء الإنسان، لا يكتفي بإصدار أصوات فرديّة، بل يدمجها في "جُمل" مركّبة، قد تحمل معاني تتجاوز مجرّد مجموع معاني الأصوات المنفردة. هذه النّتائج تُسلّط الضّوء على إمكانيّات لغويّة غير متوقّعة في عالم القردة العليا.
Getting your Trinity Audio player ready...

ما الّذي يُميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحيّة؟ ما الّذي يفصله عن أقرب أقربائه في عالم الطّبيعة، كالبونوبو والشّمبانزي؟
قد يكون هذا تساؤلًا فلسفيًّا أكثر منه علميًّا،  وقد تتنوّع الإجابات الممكنة عليه. غير أنّ اللّغة البشريّة تبقى، بلا أدنى شكّ، إحدى العلامات الفارقة في طبيعة الإنسان. إنّها ظاهرة فريدة في مملكة الأحياء، إذ تتيح لنا بفضل ثرائها المفرداتيّ وبنيتها النّحويّة المعقّدة أن نعبّر عن مجموعة لا نهائيّة من الأفكار: من طلب بسيط كفنجان قهوة، إلى تصوير حلم غامض راودنا ليلًا، ومن أغنية لطفل نائم إلى تحليل دقيق لنظريّة فيزيائيّة.

من السّمات الّتي تضفي على اللّغة هذا الغنى والثّراء خاصّيتها التّركيبيّة (compositionality)، فهي تقوم على تراكيب لغويّة تُشكّل أساس جملنا اليوميّة. تتكوّن الجملة من مجموعة من الكلمات، لكلّ منها معنًى مستقلّ، غير أنّها، حين تُنسَج في تركيبٍ واحد، تمنح الجملة معناها الكامل. وقد تأتي هذه التّراكيب بسيطة في بعض الأحيان، فيقترب معناها الكلّيّ من حاصل معاني الكلمات المكوّنة لها.

على سبيل المثال، تُخبرنا الجملة: “ميخائيل راقص أشقر” أنّ ميخائيل يرقص، وأنّ شَعره أشقر. الكلمتان “راقص” و”أشقر” متجاورتان وتشيران إلى الشّخص ذاته، من دون أن تؤثّر إحداهما في الأخرى. ويمكننا أن نضيف: “ميخائيل طبيب وراقص أشقر”، فنحصل على مزيد من المعلومات، من غير أن يتغيّر ما نعرفه عن رقصه أو لون شعره.

 إلّا أنّ الحالة المثيرة للاهتمام تكمن في التّراكيب غير المباشرة، حيث تحمل الجملة الكاملة معنًى يتجاوز مجموع معاني مفرداتها. فكّروا، مثلًا، في الجملة: “ميخائيل راقص جيّد”. هنا، لا تُقال كلمة “جيّد” عبثًا أو بمعزل عن السّياق، بل ترتبط ارتباطًا مباشرًا بـ”راقص”، وتضيف إليه بُعدًا جديدًا. فهي لا تصف ميخائيل بصفة عامة، إذ لا يمكننا استنتاج أنّه إنسان جيّد، بل تشير إلى جودة رقصه تحديدًا. بهذا، ينتج التّركيب معنًى مركّبًا لم يكن ظاهرًا في أيّ من الكلمتين منفردتين.

فهل هذا التّعقيد سِمة خاصّة باللّغة البشريّة، أم أنّ كائنات أخرى تشاركنا فيه؟
في دراسة نُشرت قبل نحو عامين، فحص باحثون نداءات الشّمبانزي، ووثّقوا عددًا من الحالات الّتي دمجت فيها أصوات معًا، بما في ذلك أنماط هرميّة – أي “جُمل” تتكوّن من صوتين ضمن تركيب أطول من ثلاثة أو أربعة أصوات. وقد أشارت الدّراسة إلى أنّ بعض الحيوانات تتواصل عبر أنماط صوتيّة، غير أنّ الباحثين لم يتمكّنوا من تحديد كيف تؤثّر هذه الأنماط في معنى النّداءات.

نُشرت مؤخّرًا دراسة تناولت نداءات البونوبو، وهو نوع قريب جدًّا من الشّمبانزي، وقد نجح الباحثون فيها في إظهار أنّ هذه القردة لا تكتفي بجمع أصواتٍ مختلفة، بل تُنتج أنماطًا غير مباشرة، تحمل معاني تتجاوز مجرّد مجموع معاني الأصوات المفردة.

במחקר נבחנו הקריאות של הבונובו, מין קרוב מאוד לשימפנזים. מיה, נקבת בונובו צעירה קוראת לעבר פרטים אחרים | Martin Surbeck, Kokolopori Bonobo Research Project
في الدّراسة، فُحصت نداءات البونوبو، نوع قريب جدًا من الشّمبانزي. ميا، أنثى بونوبو شابّة، تنادي باتّجاه أفراد آخرين | Martin Surbeck, Kokolopori Bonobo Research Project

من نداء إلى معنًى: البحث عن مفردات البونوبو

في المرحلة الأولى، شرع الباحثون في تسجيل أصوات البونوبو — الكثير، والكثير من الأصوات. فقد تابعوا ثلاث مجموعات من هذه القردة في جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، بلغ مجموع أفرادها 32 بونوبو بالغًا. وعلى مدار ثمانية أشهر، كانوا يخرجون إلى الغابة تقريبًا كلّ يوم عند الرّابعة فجرًا، ليعثروا على القردة قبل أن تستيقظ وتبدأ بالحركة. وخلال النّهار، ظلّوا قريبين منهم، ولم يقتصروا على تسجيل النّداءات المختلفة، بل وثّقوا أيضًا، لكلّ نداء، سياقه الكامل: من هو الفرد الّذي أطلقه، وهل كان بمفرده أم برفقة آخرين، وهل اقترب من أحد، أو لعب، أو نظّف فرو قرد آخر، أو أظهر سلوكًا عدوانيًّا. كذلك، سجّلوا ما إذا كان النّداء قد صدر على الأرض أم فوق شجرة، وهل أعقبه صوتٌ آخر، أو كان في المنطقة طعام، أو تلاه ردّ فعل من بونوبو آخر. وهكذا، رافقت كلّ نداء مجموعة وافرة من الملاحظات الدّقيقة، الّتي أضفت على الدّراسة عمقًا غير مسبوق.

كلّ هذه التّفاصيل تُوفّر سياقًا غنيًّا لفهم النّداءات المختلفة، وتُتيح، من خلال الرّبط بينها، سبر معانيها المحتملة.
وقد قالت ميليسا بيرتيه (Berthet)، الّتي قادت فريق البحث، في مقابلة مع مجلّة Science: إنّه مع مرور الوقت، بدأت تدرك جزءًا ممّا يقوله البونوبو لبعضهم بعضًا. وأضافت: “ترى أنّهم يطلقون نداءً، ثمّ يبدأ الجميع بالحركة… إنّه شعور رائع أن تقول: آه، بدأت أفهم!”
وقد جمع الفريق أكثر من 700 نداء، وثّقوا مع كلٍّ منها ما رافقه من تفاصيل دقيقة تتعلّق بالظّروف الّتي صدر فيها. وكان العديد من هذه النّداءات يتكوّن من تراكيب صوتية مركّبة من صوتين أو أكثر. وفي بيان صحفيّ، أوضحت بيرتيه أنّ هذا مكّنهم من بناء ما يشبه “قاموس البونوبو” — قائمة شاملة بالنّداءات ومعانيها المحتملة. واعتبرت هذه الخطوة تطوّرًا مهمًّا في مسار فهم تواصل نوعٍ آخر من الكائنات، مؤكّدة أنّها المرّة الأولى الّتي يُتاح فيها للعلماء تحديد معاني الأصوات ضمن كامل الذّخيرة الصّوتيّة لحيوان.

החוקרים אספו יותר מ-700 קריאות. אוליב, אם צעירה קוראת לעבר חברים מרוחקים בקבוצה | Lukas Bierhoff, Kokolopori Bonobo Research Project
جمع الباحثون أكثر من 700 نداء. أوليف، أمّ شابة تنادي نحو أعضاء بعيدين في المجموعة | Lukas Bierhoff, Kokolopori Bonobo Research Project

“اُنظرْ إليّ وافعلْ مثلي”

اِستخدمت بيرتيه وزملاؤها برامج حاسوبيّة طُوّرت في الأصل لدراسة اللّغة البشريّة، وذلك بهدف تجميع النّداءات الّتي تحمل معاني متقاربة أو مترابطة. وقد شرحت في مقال نُشر على موقع The Conversation أنّ هذه البرامج تعتمد على مبدأ القرب الدّلاليّ بين الكلمات، وضربت مثالًا على ذلك: فكلمتا “سمك القرش” و”حيوان” تُستخدمان غالبًا إلى جانب كلمات مشابهة مثل “سمكة” و”مفترس”، ما يوحي بوجود علاقة دلاليّة تربط بينها. في المقابل، تُستخدم كلمتا “حيوان” و”بنك” في سياقات مختلفة تمامًا، وتدلّان على معانٍ أقلّ ارتباطًا.
وخلصت بيرتيه إلى أنّ هذه الطريقة تتيح للباحثين تمثيل العلاقات بين الكلمات المختلفة، وقياس درجة التّقارب في معانيها.

وبهذا، تمكّن الباحثون من تحليل تراكيب الأصوات وفحص ما إذا كانت تتكوّن فعلًا من وحدات صوتيّة تحمل معاني مستقلّة، ومن ثمّ التّحقّق ممّا إذا كانت معاني التّراكيب نفسها تنبع من معاني مكوّناتها — تمامًا كما هو الحال في اللّغة البشريّة.
وقد خلصوا في نهاية المطاف إلى أنّ البونوبو قادرون على تركيب أصواتهم بطرق متنوّعة، على نحو يُشبه اللّغة البشريّة المركّبة، وإن كان ذلك يتمّ باستخدام عدد أقلّ من “الكلمات”. بل وأكثر من ذلك، فقد رصد الباحثون أيضًا تراكيب غير مباشرة — أي أنماطًا صوتيّة يتجاوز معناها مجرّد مجموع معاني مكوّناتها.

 على سبيل المثال، كان البونوبو يُصدرون صوت النّباح (yelp) غالبًا عندما يرغبون في تحفيز الآخرين على القيام بفعلٍ ما، كأن يبدؤوا بالحركة أو يبدؤوا ببناء عشّ للنّوم. وقد “ترجم” الباحثون هذا الصّوت على أنّه يُعادل، في معناه: “هيا بنا نفعل هذا”! في المقابل، كانوا يُصدرون صوت الأنين (grunt) لجذب انتباه أفراد قريبين، كأن يقول: “هيه، اُنظرْ إليّ!”. وعندما يُدمجان معًا — أي نباح يتبعه أنين — يصبح المعنى شيئًا يشبه: “اُنظر إليّ وافعل كما أفعل”، وغالبًا ما يُسمع هذا النّداء في سياق بناء الأعشاش للنّوم. هذا مثال على تركيب مباشر، لأنّ معناه لا يتجاوز الحاصل الجمعيّ لمعاني مكوّناته.
أما التّركيب غير المباشر، فقد ظهر في دمج صوتين من نوع هو (hoot)، يُصدرهما البونوبو. فالصّوت “هو منخفض” يُستخدم عندما يشعر القرد بالإثارة، بينما “هو مرتفع” يُوجّه إلى أفراد أبعد نسبيًّا لطلب انتباههم.
غير أنّ دمج هذين الصّوتين — “هو مرتفع مع هو منخفض” — لا يعني ببساطة: “أنا متحمّس، اِنتبهوا لي!”
يُستخدم هذا النّداء في حالات محدّدة، لا سيّما عندما يقوم أحد ذكور المجموعة بعرضٍ استعراضيّ لقوّته، غالبًا لجذب الإناث. ويُرجّح الباحثون أن يكون هذا النّداء موجّهًا لبقيّة أفراد المجموعة، ويعني شيئًا مثل: “أنا في ضيق، هذا الذّكر يخيفني، اِنتبهوا لي”. وطرحوا احتمالًا آخر، وهو أنّ البونوبو يُصدر هذا النّداء في محاولة لوقف العرض القائم أمامه. وفي كلتا الحالتين، فإنّ معنى هذا التّركيب يتجاوز المعاني المنفصلة لمكوّناته، ما يجعله تركيبًا غير مباشر بحقّ.

مقطع 1

في المقطع التّالي نسمع بونوبو يصفّر لتنسيق حركة المجموعة على مسافات طويلة | صوت: ميليسا بيرتيه

مقطع 2

في هذا المقطع يصدر البونوبو تغريدة خفيفة بعد الصّفّارة، للدّلالة على توتّر اجتماعيّ | صوت: ميليسا بيرتيه

لغة عمرها سبعة ملايين سنة؟

قال عالم الأحياء الفرنسيّ ماييل لورو (Leroux)، الّذي لم يشارك في الدّراسة، في تصريح لمجلّة Science، إنّ هذه النّتائج من شأنها أن تُغيّر وجه مجال سلوك الحيوان، معتبرًا أنّ الدّراسة تُقدّم أدلّة مقنعة على قدرات كان يُظنّ سابقًا أنّها حكرٌ على البشر وحدهم. ولا تقتصر نتائج الدّراسة على طريقة تواصل البونوبو فحسب، بل تتعدّاها إلى ما هو أعمق: فهم تطوّرهم — وربّما أيضًا تطوّرنا نحن.
فإذا كانت للبونوبو لغة أكثر تركيبًا وتعقيدًا ممّا كنّا نعتقد، فماذا يعني ذلك بشأن أصول اللّغة البشريّة؟
يشير مارتن سوربيك (Surbeck)، أحد المشاركين في إعداد الدّراسة، إلى أنّ البونوبو والبشر يشتركون في سلف تطوّريّ مشترك يُقدّر أنّه عاش قبل سبعة إلى ثلاثة عشر مليون سنة، وهو ما يعني أنّنا ورثنا عن هذا السّلف عددًا من السّمات، وقد يكون من بينها البذور الأولى للّغة المركّبة. ويضيف أنّ نتائج الدّراسة تُلمّح إلى احتمال أن يكون أسلاف البشر قد استخدموا أشكالًا معقّدة من اللّغة قبل ما لا يقل عن سبعة ملايين عام — وربّما حتّى قبل ذلك.

Additional content that may interest you

الوقاية من الأشعّة في الطّريق إلى القمر

أظهرت قياسات الأشعّة في مهمّة أرطميس 1 أنّ مركبة أوريون الفضائيّة وفّرت حماية جيّدة من الأشعّة بقدر من شأنه أن يتيح القيام بمهمّة حتّى إلى المرّيخ.
قريبًا: مقالة حول الإسهام الإسرائيليّ في التّجربة

calendar 4.11.2024
reading-time 5 دقائق

عبير الدّموع المهدّئ

أظهرت دراسة حديثة أنّ استنشاق دموع الآخرين قد يؤدّي إلى تقليل السّلوك العدوانيّ لدى الأفراد.

calendar 30.9.2024
reading-time 5 دقائق

العنوان: القُنّب المُهلك

في دراسة واسعة النّطاق تمّ إيجاد صلة بين استهلاك القنّب أثناء الحمل والمضاعفات المؤثّرة على صحّة الأمّ – مجال لم يُدرس كثيرًا حتّى الآن

calendar 19.11.2024
reading-time 5 دقائق