لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
علوم الكرة الأرضية أخبار العلوم

عندما كان العالم (ربما) كرة من الجليد

تعزّز النّتائج الّتي تمّ التوصُّل إليها في كولورادو الفرضية القائِلة أنّه في الماضي البعيد، وصلت الأنهار الجليديّة على الأرض حتّى خطّ الاستواء.
Getting your Trinity Audio player ready...

في ظلّ الاحتباس الحراريّ، من المثير للاهتمام النّظر إلى العصور الجليديّة للكرة الأرضيّة. تكشف الاكتشافات الجيولوجيّة أنّ عالمنا مرّ مرارًا وتكرارًا، لأسباب فلكيّة على الأرجح، بفترات شديدة البرودة، حيث انخفض متوسّط درجة الحرارة بشكل ملحوظ، وغُطّي معظم سطح الأرض بطبقة سميكة من الأنهار الجليديّة.

في أوائل تسعينيّات القرن الماضي، وصف الجيولوجيّ الأمريكيّ جوزيف كيرشفينك (Kirschvink)  ما أسماه “الكرة الأرضيّة المُتجمّدة”، وهي فترة زعم فيها أنّ الكرة الأرضيّة بأكملها كانت مُغطّاة بالجليد، بما في ذلك المحيطات والقارّات. ونسب ذلك إلى سلسلة من الأحداث وقعت قبل حوالي 600 مليون سنة، أثّرت على تركيب الغلاف الجوّيّ. نتيجةً لذلك، انخفضت كمّيّة الإشعاع الواصلة إلى سطح الأرض بشكل كبير.

في السّنوات الّتي تلت ذلك، ظلَّت فكرة الكرة الأرضيّة المُتجمّدة مجرّد فرضيّة. فبينما لدينا أدلّة كافية على وجود عصور جليديّة قاسية على الكرة الأرضيّة، انتشرت خلالها الأنهار الجليديّة وغطّت مساحات شاسِعة، لم يُثبت أيّ دليل قاطع أنّها وصلت إلى قلب اليابسة في المناطق الاستوائيّة – المناطق الأكثر بُعدًا عن القطبيْن، والأكثر تعرّضًا لأكبر قدر من إشعاع الشّمس. ولكن من المحتمل أن يكون هذا التغير المناخيّ الشّديد قد ترك أثره على الصّخور نفسها.

في الواقع، تُقدِّم دراسة جديدة، بقيادة جيولوجيين من جامعة بولدر في كولورادو، أدلةً قويّة على أنّ الأرض كانت مُغطّاة بالجليد خلال تلك الفترات، حتّى بالقرب من خطّ الاستواء. وصرّح ليام كورتني ديفيز (Courtney-Davies)، المؤلّف الرّئيسيّ للدّراسة: “تُقدّم هذه الدّراسة أوّل دليل ملموس على أنّ سطح الأرض المُغطّى بالثّلوج امتدّ حتّى مركز القارّات بالقرب من خطّ الاستواء”.

האם קרחונים כאלו נראו פעם סמוך לקו המשווה? חבר משלחת חקר רוסית לאנטארקטיקה סמוך לקרחון, 1911 | Scott Polar Research Institute / Science Photo Library
هل سبق أن شوهدت مثل هذه الأنهار الجليدية قرب خطّ الاستواء؟ عضو في بعثة بحثيّة روسيّة إلى أنتاركتيكا بالقرب من نهر جليدي، 1911 | Scott Polar Research Institute / Science Photo Library

لماذا تحدث العصور الجليديّة؟

على الرّغم من أنّ مدار الأرض حول الشّمس ودورانها حول محورها يبدوان ثابتيْن لنا – فكلّ يوم هو دائمًا 24 ساعةً، والسّنة الشّمسيّة هي دائمًا 365 يومًا وبضع ساعات – إلّا أنّهما في الواقع يتأثَّران بجاذبية الأجرام المجاورة في النّظام الشّمسيّ، ويخضعان على المدى الطّويل لتغيرات طفيفة. في عام 1924، اكتشف الجيوفيزيائيّ الصّربيّ ميلوتين ميلانكوفيتش (Milankovitch) ثلاثة تغيّرات من هذا القبيل تحدث دوريًّا، وربطها بالتّغيّرات المناخيّة طويلة المدى على سطح الكرة الأرضيّة. وأوضح أنّ زاوية ميل محور دوران الأرض، وحركتها التّقدّميّة (التّغيّر البطيء في اتّجاه محور دوران الأرض حول نفسها)، ودرجة إهليلجيّة مدارها حول الشّمس، تؤثّر على تدفق الإشعاع الواصل إلى الأرض، ممّا يتسبَّب في تغيّرات دوريّة في درجات حرارتها. واليوم، تُعدّ دورات ميلانكوفيتش التّفسير المقبول لوجود العصور الجليديّة والفترات بين الجليديّة في عالمنا.

أظهرت دراسات لاحقة للعصور الجليديّة أنّ تغيّر المناخ على الكرة الأرضيّة يغذّي نفسه بطرق متنوّعة. على سبيل المثال، يُنشئ تراكم الجليد على الأرض حلقة تغذية راجعة إيجابيّة. مع ازدياد الأنهار الجليديّة البيضاء على السّطح، ينعكس المزيد من الإشعاع إلى الفضاء بدلًا من امتصاصه من قِبل الأرض والغلاف الجوّيّ. على العكس من ذلك، عندما تذوب الأنهار الجليديّة، ينعكس ضوء أقلّ إلى الفضاء، ويصل المزيد من الإشعاع إلى الأرض، مما يُسرّع عمليّة احترارِها، كما يحدث بالفعل اليوم.

إلى جانب دورات ميلانكوفيتش والعمليّات المرتبطة بها، هناك العديد من العمليّات الأخرى الّتي قد يكون لها تأثير جذريّ على المناخ. لذلك، من الممكن أن تكون بعض العصور الجليديّة الّتي شهدتها الأرض في الماضي مرتبطة بعوامل أُخرى. على سبيل المثال، يعتقد الباحثون أنّ الانفجارات البركانيّة الكبيرة، التي تُلقي كمّيّات هائلة من الغبار في الغلاف الجوّيّ، قد تُقلّل بشكل كبير من كمّيّة ضوء الشّمس الواصلة إلى سطح الأرض، وتُسبّب تأثير الدّومينو الّذي سيؤدّي إلى تبريد كبير في المناخ. كما يُسهِم الانخفاض الكبير في كمّيّة غازات الدّفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، في الغلاف الجوّيّ في التبريد، وقد يُشجِّع على تكوّن أنهار جليديّة جديدة على مساحات شاسِعة من الأرض.

הגיאופיזיקאי מילוטין מילנקוביץ' גילה שלושה שינויים שמתרחשים באופן מחזורי, וקשר אותם לשינויי אקלים ארוכי טווח. אילוסטרציה של השינויים באליפטיות המסלול של כדור הארץ (משמאל), זווית הנטייה של ציר הסיבוב (מימין למעלה) והנקיפה |  Gwen Shockey / Science Photo Library
اكتشف الجيوفيزيائيّ ميلوتين ميلانكوفيتش ثلاثة تغيّرات دوريّة، وربطها بتغيّر المناخ طويل الأمد. رسم توضيحيّ للتّغيّرات في مدار الأرض الإهليلجي (من اليسار)، وميل المحور (أعلى اليمين)، والمبادرة | Gwen Shockey / Science Photo Library

حول العلامات المتروكة…

يعيد الجيولوجيّون الماضي البعيد للكرة الأرضيّة بواسطة العلامات المتروكة في الصّخور والأنهار الجليديّة، وهو ما يُعدّ بمثابة سجلّ للأحداث والعمليّات القديمة. غالبًا ما تشهد طبقات الصّخور الرّسوبيّة، الّتي تشكّلت نتيجة تراكم الرّواسب في قاع المحيطات والبحار والبحيرات، على الظّروف الّتي تشكّلت فيها. تنعكس فصول السّنة في تركيب المواد التي ترسّبت فيها، بدورةٍ واضحة تتوافَق مع تغيّرات الفصول. كما تُسجّل فترات الجفاف أو الأمطار الغزيرة التي تُصاحبها تآكلات كبيرة للأرض في تركيب طبقات الصّخور. تكشف البقايا المتحجّرة للأصداف والهياكل العظميّة عن أنواع الكائنات الّتي عاشت في أوقات مختلفة، ممّا يُعمّق فهمنا للماضي البيولوجيّ لعالمنا. كما يُشير غياب علامات الحياة إلى الظّروف أو الفترات التي تشكّلت فيها الصّخور.

تترك العصور الجليديّة أيضًا بصمات فريدة. إحدى طرق تحديدها هي التّركيب النّظيريّ لبعض العناصر، وخاصّةً الأكسجين. النّظائر هي أشكال مختلفة من العنصر نفسه، تختلف في عدد النيوترونات في نواة الذّرّة. للأكسجين نظيران رئيسان: أحدهما بثمانية نيوترونات (أكسجين-16) والآخر باثني عشر نيوترونًا (أكسجين-18)، ممّا يجعل الأخير أثقل.

الماء الّذي تحتوي ذرّة أكسجين به على ثمانية نيوترونات يتبخّر بسهولة أكبر من النّظير الآخر، لذا يكون المطر غنيًّا بنظير الأكسجين الخفيف. عندما يهطل في المناطق الباردة، يُخزن في الأنهار الجليديّة، ولهذا السّبب تحتوي أيضًا على نسبة أعلى من الأكسجين-16. خلال الفترات الباردة، ومع نموّ الأنهار الجليديّة، يتمّ امتصاص المزيد من النّظير فيها. ونتيجةً لذلك، تزداد نسبة النّظير الأثقل، الأكسجين-18، في مياه المحيطات، وتتغيّر نسبة النّظائر. عندما ينقضي العصر الجليديّ وتذوب الأنهار الجليديّة، يعود الماء الذي يحتوي على ذرّات الأكسجين الخفيفة إلى المحيطات، وتتغيّر نسبة النّظائر مرّة أخرى. يتيح تحليل التّركيب النّظائريّ للأكسجين في طبقات الصّخور الرّسوبيّة للعلماء إعادة بناء درجة حرارة وكمّيّة الجليد لمئات الآلاف من السّنين.

فيديو يوضّح كيفيّة تكرار درجة الحرارة قبل مئات الآلاف من السّنين:

إضافةً إلى ذلك، قد تُشير كمّيّة ذرّات عناصر الحديد والمغنيسيوم والكالسيوم في طبقات الصّخور الرّسوبيّة إلى ذوبان الأنهار الجليديّة، إذ إنّ مياه ذوبانها غنيّة بهذه العناصر. لذا، تُوفّر الصّخور الغنيّة بها أدلةً واضحةً على عمليّات الذّوبان الّتي حدثت على السّطح وقت تشكّلها.

في الدّراسة الحاليّة، حدّد الباحثون علامة فريدة ناتجة عن الوزن الهائل للأنهار الجليديّة، الّتي تضغط التّربة تحتها. ونتيجةً لذلك، تخضع طبقات التّربة لعمليّة تمييع – وهي حالة تتصرّف فيها الموادّ الصّلبة كسوائل تحت الضّغط. وعلى عكس الصّهارة، الّتي تتسرّب غالبًا من أعماق الأرض إلى شقوق في قشرة الأرض، ممّا يخلق عروقًا من صخور الجرانيت مع تصلّب الصّهارة، فإنّ الصّخور مثل الحجر الرّمليّ لا يمكنها التّدفُّق. يضغط الوزن الهائل للأنهار الجليديّة التّربة تحتها ويحقنها في الصّخر الأساسيّ، في عمليّة تشبه السّائل. تخلق هذه الحركة أنماطًا فريدة من العروق الّتي تخترق الصّخور، والّتي يمكن من خلالها استنتاج وجود أنهار جليديّة في الماضي فوق هذه العروق.

משקלם הרב של הקרחונים דוחס את הקרקע שמתחתם ומחדיר אותה לתוך סלעי הבסיס. אבן עם עורק חום-אדמדם שעובר בתוך סלעים אחרים | Liam Courtney-Davies
يضغط وزن الأنهار الجليديّة الهائل التّربة تحتها ويدفعها إلى الصّخور الكامنة. حجر ذو عرق بنيّ محمرّ يمرّ عبر صخور أخرى | Liam Courtney-Davies

أين ومتى كانت الأنهار الجليديّة؟

كان هذا هو النّمط الذي وجده الباحثون في تلال الحجر الرّمليّ في كولورادو، والّتي تقع على طبقة من صخور الجرانيت. لكن كولورادو تقع الآن في أمريكا الشّماليّة، بعيدًا عن خطّ الاستواء. كيف يُعقل أن تُشير أدلّة على وجود أنهار جليديّة في كولورادو إلى حدوث تجمّد جنوبًا؟

يكمن التّفسير في أنّ بنية القارّات على الأرض تتغيّر باستمرار، في عمليّة بطيئة تُسمّى الانجراف القارّيّ. تتكوّن قشرة الكرة الأرضيّة من صفائح تتحرّك باستمرار فوق الصّخور المنصهرة تحتها. حركة الصّفائح بطيئة جدًّا، ولكن على مدى مئات الملايين من السّنين، تكون التّغيّرات في مواقع القارّات كبيرة جدًّا. بناءً على البيانات المتوفّرة لدينا اليوم عن معدّل واتّجاه حركة الصّفائح، يمكننا إعادة بناء بنية القارّات في الماضي. ومن هذا نعلم أنّه قبل حوالي 720 مليون سنة، كانت أمريكا الشّماليّة، بما في ذلك كولورادو، تقع بالقرب من خطّ الاستواء.

لتقدير وقت حدوث تمييع الصّخور في كولورادو، استخدم الباحثون التّأريخ الإشعاعيّ. تعتمد هذه الطّريقة على أنّ الموادّ المُشعّة تتحلّل بمعدّل ثابت ومعروف مع مرور الوقت، ممّا يُمكّن من تقدير عمر العيّنات الجيولوجيّة. على سبيل المثال، يتحلّل اليورانيوم المشعّ ويتحوّل إلى رصاص. لذلك، فإنّ قياس نسبة تركيزات اليورانيوم والرّصاص في الصّخور يُمكّن من تقدير المدّة الّتي انقضت منذ بدء تحلّل المادّة المشعّة.

جمع الباحثون معادن من عروق الحجر الرّمليّ المتكوّنة أثناء عمليّة التّمييع، وقاسوا نسبة اليورانيوم- الرّصاص في العيّنات. أُجريت القياسات باستخدام أشعّة اللّيزر، ممّا يسمح بتقطيع المعادن بدقّة وتركيز عن طريق التّبخّر. ويمكن بعد ذلك تحليل التّركيب الكيميائيّ للموادّ المتبخّرة باستخدام جهاز يُسمّى مطياف.

أظهرت نتائج التأريخ تطابقًا مع فترة تُعتبر عصرًا جليديًّا، ولذلك يظنّ الباحثون أنّ العمليّة الجيولوجيّة الّتي حدثت كانت مرتبطة بالفعل بوجود أنهار جليديّة ضخمة على السّطح. يُعدّ التّطابق مع عصر جليديّ مُوثّق سابقًا، وموقع كولورادو القديمة في المنطقة الاستوائيّة، دليلًا مباشرًا على أن الأنهار الجليديّة غطّت سطح الأرض حتّى مركزها.

يدعو الآن باحثون آخرون لاستكمال صورة الأرض خلال هذه الفترة. ويقولون إنّه من المتوقّع وجود أنماط مشابهة لتلك التي رُصدت في كولورادو في أماكن أخرى كثيرة في أمريكا الشّماليّة. ومن شأن ظاهرة مماثلة في نفس العصر أن تُقدّم دعمًا كبيرًا لنتائِج الدّراسة، بل وتساعدنا على فهم خصائص الكرة الأرضيّة المتجمّدة القديمة بشكل أفضل.

Additional content that may interest you

رغم نجاح عمليّة الزّراعة، لم يستعِد المريضُ بصَرَه

بعدَ أكثرِ من عام ونصف على أوّل عمليّة زراعة عين كاملة في التّاريخ، رغم نجاح جسم المريض في تقبُّل العين المزروعة وظهور مؤشّراتٍ حيويّة إيجابيّة، إلّا أنَّ المريض لم يستعد قدرته على الرؤيّة في العين المزروعة.

calendar 25.3.2025
reading-time 3 دقائق

الزرازير على أشكالها تقع

تقيم العصافير، وفقًا لما كشفت عنه دراسة جديدة، علاقات اجتماعيّة طويلة الأمد تعتمد على التعاون المتبادل

calendar 28.7.2025
reading-time 5 دقائق

العنوان: القُنّب المُهلك

في دراسة واسعة النّطاق تمّ إيجاد صلة بين استهلاك القنّب أثناء الحمل والمضاعفات المؤثّرة على صحّة الأمّ – مجال لم يُدرس كثيرًا حتّى الآن

calendar 19.11.2024
reading-time 5 دقائق