عندما نشاهد انفجارًا قويًا في فيلم أكشن – أو في فترات أكثر تعقيدًا، في نشرات الأخبار – يمكننا أن نرى نوافذ تتحطم في المباني والسيارات على بُعد كبير من موقع الانفجار. أحيانًا من الممكن حتى رؤية موجة تبتعد بسرعة عن مركز الانفجار نفسه. تُسمى هذه الموجة موجة انفجار (Blast wave) ، وهي نوع خاص من ظاهرة أوسع تُعرف باسم موجة الصّدمة أو الموجة الصّادمة (Shock Wave).
لفهم تأثيرات موجات الانفجار، وموجات الصدمة بشكل عام، علينا أن نفهم ما المقصود بسرعة الصوت، وماذا يعني أن يتحرك جسم ما بسرعةٍ أكبر منها. كما يشير الاسم، فإن سرعة الصّوت في الهواء – حوالي 1200 كيلومتر في الساعة – هي السّرعة التي تنتقل بها الموجات الصّوتية في الهواء. بشكل أوسع، يشير الفيزيائيّون إلى “سرعة الصوت” باعتبارها السرعة التي تنتقل بها الاهتزازات الميكانيكيّة في وسط معين. في حالة الهواء، الحديث هنا يدور حول اهتزاز جزيئات الهواء، لكن لكل مادة سرعة صوت خاصة بها تعتمد على خصائصها؛ يمكن توضيح ذلك باستخدام حبل، إذ يمكن ملاحظة أن سرعة الصوت في الحبل المشدود أعلى منها في الحبل المرتخي.
ماذا يحدث إذا أخذنا جسمًا وجعلناه يتحرك أسرع من سرعة الصّوت في المادة التي يتحرك داخلها، مثل طائرة سريعة في الهواء؟ في هذه الحالة تنشأ مشكلة: الجزيئات لا تستطيع “إخلاء الطريق” إلا بسرعة الصّوت، لكن الجسم يقترب منها بسرعة أعلى، وبالتالي لا يكون لديها وقت كافٍ للابتعاد! والنتيجة أن الجسم يدفع الجزيئات بقوّة، مما يؤدي إلى تكوّن موجة ضغط وكثافة عاليتين جدًا في نقطة التلامس – وهذه هي موجة الصدمة. يمكن أن تتكوّن موجات الصدمة لأسباب مختلفة وفي مواد مختلفة، وموجات الانفجار الناتجة عن الانفجارات هي أحد الأمثلة على ذلك. الطائرات التي تخترق حاجز الصوت هي مثال آخر، وتُحدث ما يُعرف بالانفجار فوق الصوتيّ أو دويّ الصّوت.

تقذف موجة الانفجار الأجسام بعيدًا عن مركز الانفجار، كما نرى في أفلام الأكشن. سيارة تُقذف في الهواء نتيجة انفجار في فيلم كرتونيّ | رسم توضيحي: Shutterstock AI
وقع انفجار
في حالة “موجة الانفجار”، لا وجود لجسم ماديّ يتحرّك متجاوزًا سرعة الصوت. فالتفجيرات القويّة، مثل تلك الناتجة عن الصواريخ الباليستية أو العبوات الناسفة، تطلق كمية هائلة من الطاقة والحرارة دفعة واحدة. يؤدي الانفجار إلى تسخين الهواء المحيط به ورفع ضغطه بشكل كبير جدًا – عشرات أو حتى مئات المرات أكثر من الضغط الجوي العادي. بسبب فارق الضغط الكبير بين مركز الانفجار والبيئة المحيطة، يندفع الهواء بسرعة هائلة من مركز الانفجار إلى الخارج، مسبّبًا موجة انفجار.
يمكن لموجة الانفجار أن تصل إلى مسافات بعيدة جدًا، وذلك حسب حجم الانفجار وظروف البيئة، وقد تُسبب أضرارًا جسيمة. تنجم الأضرار عن فرق الضغط الكبير بين الموجة وما حولها. فعندما تصطدم الموجة بنافذة منزل، يتكوّن فرق في الضغط بين جانبي النافذة: من الداخل ضغط جوي عاديّ، أما من الخارج فيُمارس ضغط أكبر بكثير، مما قد يؤدّي إلى تحطّم النافذة نحو الداخل. هذه الظاهرة قد تكون مألوفة لمن يشاهد أفلام الأكشن، حيث تُلقي الانفجارات بالشخصيات أو المركبات بعيدًا عن موقع الانفجار. بالإضافة إلى ذلك، قد يتبع موجة الصدمة فراغ جزئيّ (منطقة ضغط منخفض). لذلك، عندما تواصل الموجة مسيرها داخل المنزل، ينشأ وضع معاكس، حيث يصبح ضغط الهواء داخل المنزل أعلى من الضغط خارجه، مما قد يؤدي إلى تحطم النافذة نحو الخارج.
أحد الأخطار الأخرى المرتبطة بموجات الانفجار هو أن الموجات الصوتيّة يمكن أن تنتقل من مادة إلى أخرى: فعلى سبيل المثال، عند السباحة في بركة، يمكننا سماع أصوات من الخارج حتى لو كان رأسنا مغمورًا تحت الماء. السبب في ذلك هو أن الموجات الصوتيّة تنتقل عبر الحركة الفيزيائيّة للجزيئات، حيث تصطدم جزيئات الهواء بجزيئات الماء وتنقل جزءًا من الموجة الصوتيّة. بطريقة مشابهة، يمكن لموجة الصّدمة أن تنتقل إلى مواد صلبة مثل جدران المنزل، بل وحتى إلى أجسامنا، وقد تُسبب أضرارًا كبيرة بسبب الضّغط العالي.
وكأي مشكلة معقّدة، هناك العديد من العوامل التي قد تؤثّر على حجم الضرر الذي قد تسبّبه موجة الصّدمة. فقد تُمتصّ الموجة في بعض الموادّ، وتخترق أخرى، وقد تنعكس عن أسطح صلبة، وغيرها. وفي النهاية، يتحدّد نوع الضّرر الناتج حسب خصائص الانفجار، وطبيعة المباني المحيطة، وهيكل النوافذ، وما إلى ذلك.
تحطّم النوافذ بشدة قد يزيد من خطورة الانفجار، لأن شظايا الزّجاج الحادّة التي تنطلق بسرعة كبيرة يمكن أن تتسبّب بإصابات أو حتى أن تؤدي إلى الوفاة. ولهذا فإن تعليمات “قيادة الجبهة الداخلية” توصي بأنّه في حال عدم توفّر أماكن حماية (مثل الغرفة المحصّنة المنزليّة أو الملجأ العام)، ينبغي اختيار السلالم الداخلية والمكوث تحتها، حيث لا تحوي جدرانًا خارجيّة أو نوافذ قد تتحطّم، أو البقاء في غرفة داخليّة محاطة بأكبر عدد ممكن من الجدران وأقل عدد من النوافذ والفتحات. المطبخ أو الحمّام أو المرحاض لا يمكن اعتبارها أماكن آمنة، ويُوصى بالابتعاد عن السيراميك والبلاط والزجاج الذي قد يتكسّر.