لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
علم الأحياء اسأل الخبير

الأزرق الّذي يكلّل سطح التوت البريّ (ثمرة الأوكمانيا)

ثمرة التوت الزرقاء- الأرجوانيّة تجسّد أمام أعيننا تضافر اللون الكيميائيّ واللون البنيويّ معًا
Getting your Trinity Audio player ready...

تخيّلوا أنّكم تحضّرون لأنفسكم وعاءً من التوت البريّ، تغسلونه بالماء، وتشاهدون حباته تتلألأ بلون أزرق عميق وساحر. لو قرّرتم، مثلًا، إعداد عصير من هذه الثمار، من الطبيعيّ أن تتوقّعوا أن يكون العصير أزرق اللون، تمامًا كالثمرة نفسها. إلّا  أنّكم ستفاجَؤون: العصير ليس أزرق، بل أحمر! كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ في الواقع، التوت البريّ ليس أزرق حقًّا، على الأقلّ ليس بالطريقة الّتي يكون فيها التفاح الأحمر أحمر. المصدر لذلك اللون الأزرق غير اللّامع والفريد الّذي يميّز التوت لا يعود إلى صبغة كيميائيّة، بل إلى ما يُعرف باللون البنيويّ.

على عكس اللون الكيميائيّ، والّذي ينشأ عندما تمتصّ جزيئات الصبغة (الملوّنة) بعض الأطوال الموجيّة للضوء المرئيّ وتُعيد انعكاس أطوال أخرى، فإنّ اللون البنيويّ ينتج عن تداخل موجات الضوء– أي التقاء عدّة موجات ضوئيّة في نقطة واحدة- وذلك بعد أن تصطدم هذه الموجات ببُنى نانومتريّة (أي على مقياس أجزاء من المليار من المتر) داخل المادّة. هذه الظاهرة ليست حكرًا على التوت البريّ، بل تنتشر على نطاق واسع في عالم الحيوان، لا سيّما بين الطيور والحشرات مثل الفراشات والخنافس.

וצצות בגוון כחול עמוק ומרהיב – עד שמכינים מהם מיץ. אוכמניות | Rox Middleton
تتألّق بلون أزرق غامق ومذهل- إلى أن يحضَّر منها عصير التوت البريّ | Rox Middleton

كيمياء الألوان في النباتات

تمتلك النباتات أنواعًا عديدة من الصبغات اللونيّة: فالكلوروفيل هو مصدر اللون الأخضر في الأوراق؛ وأنواع مختلفة من الكاروتينويدات (Carotenoids) تمنح الجزر لونه البرتقاليّ، والطماطم لونها الأحمر، والذرة لونها الأصفر؛ أمّا البيتانين (Betalains)، فيضفي اللون الأحمر على الشمندر. في المقابل، تُعَدّ الصبغات الزرقاء نادرة جدًّا في الطبيعة، وغالبًا ما يكون اللون الأزرق في النباتات لونًا بنيويًّا، لا كيميائيًّا. ومن بين جميع ألوان الطيف المرئيّ، تمتلك الأمواج الزرقاء أعلى طاقة؛ لذلك؛ لكي يظهر اللون الأزرق، يجب أن تكون جزيئات الصبغة قادرة على امتصاص فوتونات منخفضة الطاقة تقع ضمن النطاق الأحمر من الطيف.

في بعض الحالات النادرة، تمنح صبغات من فئة الأنثوسيانينات (Anthocyanin) النبات لونًا أزرق، لكنّها في العادة تُنتج ألوانًا ورديّة وحمراء، كما هو الحال في التفاح، وذلك لأنّ جزيئاتها تمتصّ الأطوال الموجيّة الواقعة في نطاق الأزرق وفوق البنفسجيّ. ولكي تغيّر جزيئات الأنثوسيانين سلوكها وتمتصّ أطوالًا موجيّة أطول (مثل الأحمر)، لا بدّ أن تحدث في النبات تحوّلات كيميائيّة معقّدة وغير اعتياديّة، كما في حالة زهرة الهورتنسيا، والّتي قد تزهر بلون أزرق باهر إذا كانت التربة قلويّة بما فيه الكفاية وتحوي أيونات الألومنيوم. أمّا صبغة الإنديجو (النيلي)، والمعروفة شعبيًّا كلون سراويل الجينز، فهي أيضًا زرقاء، لكنّها لا تتواجد في النبات بشكلها النهائيّ الطبيعيّ. إذ يتطلّب الأمر عمليّات استخلاص وتحويل طويلة ومعقّدة لتحويل الجزيء عديم اللون الموجود في النبات إلى صبغة الإنديغو الزرقاء.

לעתים רחוקות פיגמנטים מסוג אנתוציאנינים נותנים לצמח צבע כחול - כמו במקרה של הורטנזיה, שעשויה לפרוח בכחול מרהיב אם הקרקע בסיסית דיה ומכילה יונים של אלומיניום. פרחי הורטנזיה | Shutterstock, RRice
في حالات نادرة، تمنح صبغات الأنثوسيانين النبات لونًا أزرق- كما في حالة زهرة الهورتنسيا، والّتي قد تُزهر بلون أزرق ساحر إذا كانت التربة قلويّة بدرجة كافية وتحوي أيونات الألومنيوم. زهور الهورتنسيا | Shutterstock, RRice

شمع… يشبه الزجاج؟

طالما كان اللون البنيويّ موضع دراسة واسعة في أبحاث على الحيوانات، لكنّ دلائل جديدة تشير إلى أنّه قد يكون أكثر شيوعًا ممّا كنّا نظنّ أيضًا في مملكة النباتات. في دراسة نُشرت في فبراير 2024 في مجلّة Science Advances، تبيّن أنّ اللون البنفسجيّ- الأزرق في التوت البريّ يعود في جزء كبير منه إلى لون بنيويّ. وقد أظهرت الدراسة أنّ مصدر هذا اللون هو بلّورات شمعيّة تغطّي الطبقة الخارجيّة للثمرة، والمعروفة باسم الكيوتيكولا- وهي طبقة دهنيّة واقية تشكّل الغلاف الخارجيّ للنبات، وتتمثّل وظيفتها الأساسيّة في الحدّ من فقدان الماء. رغم أنّ خواصّ هذه البلورات الشمعيّة الطّاردة للماء قد دُرست على نطاق واسع، فإنّ قدرتها على توليد لون بنيويّ لم يتمّ اكتشافها إلّا مؤخَّرًا.

ينقسم اللون البنيويّ إلى نوعين رئيسَين: النوع الأوّل هو البلّورات الضّوئيّة (الفوتونيّة)، كما هو الحال في أجنحة الفراشات، حيث تتكوّن من بنى منتظمة تعكس ألوانًا زاهية ومتغيّرة بحسب زاوية النظر. أمّا النوع الثاني، والمعروف باسم الزجاج الضّوئيّ (الفوتونيّ)– كما في البلّورات الشمعيّة الموجودة في ثمار التوت البريّ- فينشأ عن ترتيب عشوائيّ للبنى الدقيقة داخل المادّة. يؤدّي هذا الترتيب إلى توليد لون باهت وثابت لا يتغيّر مع تغيّر زاوية الرؤية. يعود الاختلاف الجوهريّ بين هذين النوعين إلى طبيعة الترتيب الداخليّ للمادّة؛ إذ تتّسم البلّورات الفوتونيّة ببنية دوريّة ومنظّمة على مدى طويل، في حين يتميّز الزجاج الفوتونيّ ببنية غير دوريّة وعشوائيّة. عندما يصطدم الضوء بمادّة ذات بنية غير منتظمة، فإنّ الأطوال الموجيّة القصيرة كاللّونَين الأزرق والبنفسجيّ، تتشتّت وتصل إلى العين بدرجة أكبر من الأطوال الموجيّة الطويلة كالأحمر. لهذا السبب، تبدو لنا التوتات- تمامًا مثل السماء- زرقاء اللّون.

الزجاجيّات الضّوئيّة، مثل بلّورات الشمع في التوت البريّ، تتميّز بترتيب عشوائيّ للوحدات البنيويّة الدقيقة داخل المادّة، ما يؤدّي إلى توليد لون غير لامع. رسم توضيحيّ لبلّورة فوتونيّة مقابل زجاجيّة فوتونيّة | من المقال العلميّ. Yao et al., 2023

تفكُّك… وإعادة بناء

إلى جانب التوصّل لفهم مصدر اللّون في التوت البريّ، نجح الباحثون أيضًا في إعادة إنتاج اللون البنيويّ المميّز للثمرة داخل المختبر. استُخلِصت ،في المرحلة الأولى، بلّورات الشمع من النبات وتمّت إذابتها. بعد ذلك، وُضع المحلول في وعاء مفتوح أسفل سطح شفّاف وعديم اللّون، وسُخِّن تدريجيًّا. مع تبخّر جزيئات الشمع من المحلول، أعادت هذه الجزيئات التبلور على السطح، مكوّنة طبقة رقيقة. والمثير للاهتمام أنّ المحلول الذائب كان عديم اللّون تمامًا، ولكن عند تبلور البلّورات من جديد، يكتسب السطح اللّون الأزرق المميّز للتوت البريّ- دليل واضح على أنّ اللّون لا ينتج عن صبغة كيميائيّة، بل من البنية المجهريّة الّتي تشكّلت من جديد.

בעוד שהשעווה המומסת הייתה חסרת צבע, כאשר הגבישים נבנו מחדש המשטח נצבע בכחול האופייני לאוכמניות. משטחים עם גבישי שעווה כחולים שיוצרו במהלך הניסוי | Rox Middleton
بينما كان الشمع المذاب عديم اللّون، فقد تلوّن السطح بالأزرق المميّز للتوت البريّ عندما أُعيد تشكّل البلّورات من جديد. أسطح مغطّاة ببلّورات شمع زرقاء تمّ إنتاجها خلال التجربة. | Rox Middleton

لكن، في التوت البريّ، يتداخل اللون البنيويّ والكيميائيّ معًا لتكوين لونه القوي والمميّز. قبل أن تنضج الثمرة بشكل كامل، لا تكون الطبقة الشمعيّة الخارجيّة متطوّرة بما فيه الكفاية، وتظهر الثمرة بلون أخضر ناتج عن تركيز عالٍ من الكلوروفيل، الضروري لعمليّة النضج. ومع نضوج الثمرة، يتحلّل الكلوروفيل، بينما يزداد إنتاج الأنثوسيانين، إلى جانب تشكّل التركيب الشمعيّ الّذي يعمل على تشتيت الضوء. ونتيجة لذلك، يتشتّت الضوء الأزرق بكثافة؛ أمّا الضوء غير المتشتّت، فيُمتصّ بواسطة الصبغة، ما يجعل الأخيرة تبدو بلون أحمر، ويُعزّز من درجة اللّون الأزرق في التوت.

لا تقتصر هذه الظاهرة  على للتوت البريّ فقط. فقد أظهر الباحثون، من خلال دراسة فيلوجينيّة (علم الوراثة العرقيّ)، أي دراسة تتتبّع العلاقة التطورية والقُرب بين أنواع مختلفة، أنّ هذه الظاهرة تميّز عدّة أنواع  من النباتات غير المرتبطة تطوّريًّا. وهذا يدلّ على وجود تطوّر متقارب لخاصيّة اللون البنيويّ الأزرق: فقد تطوّرت هذه السمة عدّة مرّات بشكل مستقلّ، ما قد يشير إلى أهميّتها في الطبيعة. ويُرجّح الباحثون أنّ اللّون الأزرق للثمرة يُمكّن الحيوانات الّتي تتغذّى على الفواكه من رؤيتها بشكل أفضل وسط الأحراش، ما يزيد من استهلاكها لها وبالتالي من نشر بذورها.

لا يُسلّط هذا البحث الضوء على التعقيد المذهل لتصاميم الألوان في الطبيعة فحسب، بل يفتح أيضًا آفاق جديدة لتطبيقات صناعيّة وتقنيّة، مثل إنتاج طلاءات مقاومة أو أصباغ صديقة للبيئة تعتمد على بُنى بيولوجيّة مستوحاة من الطبيعة.

Additional content that may interest you

السّعال المستمرّ

على الرّغم من وجود لقاحات فعّالة، لا يزال السّعال الدّيكيّ يعرّض حياة الأطفال غير المطعّمين للخطر – بما في ذلك ثلاثة قضوا مؤخّرًا بسبب المرض في تفشّي المرض الحاليّ في البلاد

calendar 11.9.2024
reading-time 5 دقائق

اليوم الأكثر حرًّا … مرارًا وتكرارًا

هناك ثلاثة عوامل رئيسة لديها صلة في معطيات سجلّات الحرارة الّتي تمّ تحطيمها مرّة أخرى هذا العام: النشاط البشريّ، بنية القارّات وظاهرة النينيو. العامل الأوّل فقط هو تحت سيطرتنا.

calendar 30.10.2024
reading-time 3 دقائق

الهجرة الخفيّة

لقد بدأ العلم الآن فقط في فهم أهمّيّة ظاهرة هجرة الحشرات، أهمّيّتها والمخاطر الّتي تهدّدها

calendar 11.12.2024
reading-time 5 دقائق