لشراء التذاكر
ar
لشراء التذاكر
arrow ar
الفيزياء اسأل الخبير

تاريخ اللَّفّ المغزليّ (السْبين)

تطوّر اللَّفّ المغزليّ (السْبين)، الّذي بدأ كفكرة فاشلة لطالب جامعيّ شاب قبل حوالي مائة سنة، ليصبح مقدارًا هامًّا وعمليًّا جدًّا في ميكانيكا الكم
Getting your Trinity Audio player ready...

ورد في قصة “لا أحد يفهم الكموميّة – الكوانتوم” التي نُشرت في كتاب “الأنابيب” لإتغار كريت (بالعبرية، إصدار عام عوفيد، 1992):

“ذهبت الكمومية – الكوانتوم – مساءً تعتذر لأينشتاين. صاح أينشتاين من وراء الباب المقفل ‘لست في البيت’. صرخ النّاس في وجهها في طريق عودتها، وكالوها بكلّ أنواع الشّتائم من نوافذ بيوتهم، وألقى أحدهم علبة عليها. تظاهرت الكموميّة بأنّ شيئًا لم يكن، إلّا أنها شعرت قلبيًّا بالإهانة. لا أحد يفهم الكموميّة، ويكرهها الجميع”.

(ترجمة خالد إبراهيم مصالحة، بتصرف)

الواقع الفيزيائيّ الّذي صاغ ايزيك نيوتن قوانينه جيدًا من خلال الميكانيكا التّقليديّة هو واقع سهل ومريح. تبدو لنا مصطلحات المكان والسّرعة والزّمن ومقاديرها مفهومة، بسيطة وواضحة. ليس من الصّعب شرح المصطلحات الأكثر تعقيدًا، مثل الكتلة والعزم، لطلاب المدارس الثّانوية. الثيرموديناميك (الدّيناميكا الحراريّة) والبصريّات مشتقّة بشكل أو بآخر من الميكانيكا التّقليديّة، مع إدخال الملاءَمات الّتي تقتضيها الحاجة، وإدراج بعض المصطلحات البديهيّة وسهلة المنال. 

يصلح هذا الواقع، ذو القوانين الواضحة، لوصف فيزياء الحياة اليوميّة. لكن، بالمقابل، ليس من السّهل فهم ما يجري في عالم الأشياء متناهية الصّغر، أو الأشياء بالغة الكبر، والأشياء ذات السّرعة الفائِقة، بعضها صغير جدًّا أيضًا. اعتقد الفيزيائيّ اللورد كيلفن في مطلع القرن العشرين أنّنا فككنا لغز جميع قوانين الطّبيعة، ولم يبق أمامنا في عداد المجهول غير “سحابتَيْن صغيرتَيْن” تحجبان سماء الفيزياء وتصفى – مسألتان أخيرتان تنتظران الحلّ. تَحطّم مُعتقَد كيلفن هذا في غضون بضع سنين. احتلّت ميكانيكا الكم والنّظريّة النّسبيّة، النّظريّتان الجديدتان الدّقيقتان اللّتان نجحتا في تخطّي جميع الحواجز ومحاولات الدّحض والتّفنيد، مكان النّظام الفيزيائيّ القديم.

منشأ اللّفّ المغزليّ 

تتناقض خواصّ ميكانيكا الكم، الّتي تصف ما يحدث في عالم الجسيمات متناهية الصّغر، مع قسم من مفاهيمنا الأساسيّة، الأمر الّذي يُصعّب علينا فهمها. أحد مكوّنات ميكانيكا الكم، الذي لم يسمع عنه الكثيرون منّا، ويستصعب غالبيّة من يعلمون بوجوده كثيرًا في وصفه باستخدام الأدوات الواقعيّة، وقد يكونون مع ذلك مدينون له بحياتهم، هو اللّفّ المغزليّ، أو الدَّومة، أو الدُرور – السبين – الّذي اكتُشِف قبل حوالي مائة سنة.

ظهرت خاصيّة اللّفّ المغزليّ، كما حدث مرّات عديدة في تاريخ العلوم الفيزيائيّة، في المختبر أوّلًا ثم شقّت مسارها النّظريّ: المشاهدات أوّلًا، تتبعها المحاولات لِإيجاد التّفسير النّظريّ. أخذ روّاد ميكانيكا الكم في سنوات العشرين من القرن الماضي – القرن العشرين – على عاتقهم، كجزء من دورهم التّاريخيّ، تنظيم الفوضى الّتي تركها فيزيائيّو الأجيال السّابقة، وخاصّة إيجاد تفسير للمشاهدات الّتي لم يُعرف كنهها وطبيعتها آنذاك. 

أشارت تجارب التّحليل الطّيفيّ الذّرّيّ الّتي أُجريت في مطلع القرن العشرين إلى وجود نقص في التّفاصيل الخاصّة بالنّظريّة العلميّة. اكتُشِف تأثير زيمان (Zeeman) في إحدى هذه التّجارب، حيث تنقسم خطوط الطيف الذري تحت تأثير الحقل المغناطيسي الخارجي. لم توفر الفيزياء التقليدية ولا ميكانيكا الكم الأساسيّة الّتي صاغها نيلس بور (Bohr) وأرنولد سومرفيلد (Sommerfeld) تفسيرًا مناسبًا لِلعلاقة المتبادلة ما بين الحقل المغناطيسيّ والذّرّات. وها هو فولفغانغ باولي (Pauli) يشير سنة 1924، لأول مرة،  إلى إمكانية وجود خاصية ثنائية القيمة، غير معهودة، للإلكترون – الجسيم الأساسيّ الّذي يدور حول نواة الذّرّة – ينجم عنها انقسام مستويات الطّاقة في الذّرّة تحت تأثير الحقل المغناطيسيّ. 

عُرفت في تلك المرحلة خاصيّة العزم المغناطيسيّ الكهرومغناطيسيّة، الّتي تتجلّى كردّ فعل جسيمات تدور على الحقل المغناطيسيّ. استنتج رالف كرونيج (Kronig)، وهو أحد طلاب باولي، ألمانيّ الجنسيّة لم يتعدّ عمره حينئذ عشرين عامًا، أنّ الخاصّيّة التي كان قد تحدّث عنها مرتبطة، على ما يبدو، بِدوران الإلكترونات الذّاتيّ داخل الذّرّات. اضطرّ كرونيج إلى إلقاء نظريّته جانبًا بعد أن عارضها أستاذه باولي، الّذي كان قاسيًا ومُخاصمًا، قائِلًا إنّ على الدوران الذاتي للإلكترون أن يفوق سرعة الضّوء، كي يصبح بالإمكان تفسير تأثير زيمان وغيره من الظّواهر بواسطة هذه النّظريّة. 

كانت قد نضجت، في هذه المرحلة، الظّروف للاكتشاف الجديد، إذ نشر الفيزيائيّان الشّابان صاموئيل جود سميت (Goudsmit) وجورج أولنبيك (Uhlenbeck) من جامعة لايدن في هولندا مقالًا عرضا فيه الفكرة ذاتها. واجه هذان الفيزيائيان هما أيضًا معارضة شديدة من الفيزيائيّين الأكثر رِفْعةً منهما، مثل الهولنديّ هندريك لورنتز (Lorentz) والألمانيّ فيرنر هايزنبرغ (Heisenberg) اللذيْن رفضا الاستنتاجات رفضًا قاطعًا مشيرينَ إلى وجود عيوب في فكرة الدوران الذّاتيّ للإلكترون. أمّا اليوم فيُنسب اكتشاف اللّفّ المغزليّ (السبين) لكلّ من  جود سميث وأولنبيك

הקווים בספקטרום אטומי מתפצלים בהשפעת שדה מגנטי חיצוני. A - ללא שדה מגנטי; B ו-C - תחת שדה מגנטי מתגלה אפקט זימן | מקור: Warren Leywon, Wikimedia
انقسام خطوط الطَّيْف الذّرّيّ تحت تأثير حقل مغناطيسيّ خارجيّ. A - خطوط الطَّيْف بدون تأثير الحقل المغناطيسيّ. B وَC - ظهور تأثير زيمان بفعل الحقل المغناطيسيّ | المصدر: Warren Leywon, Wikimedia

باولي يتحدّى العالم

لم يقتنع باولي بالحُجج أعلاه، واقترح مبدأً فيزيائيًّا جديدًا حاول بموجبه تفسير انقسام خطوط الطَّيْف الذّرّيّ، والّذي كان عالقًا في ذهنه. لا يُمكن، وفقًا لهذا المبدأ، أن يتواجد إلكترونان إثنان في نفس الحالة الكموميّة (الكوانتية) – أي تكون حالتُهما الكموميّة متطابقة – في نفس المجموعة الكمومية. ذلك يعني أنّه يجب أن يختلف الإلكترونان اللّذان لهما نفس الطاقة، أو بصيغة أخرى – إذا تواجد الإلكترونان في نفس القشرة الإلكترونيّة – بشيء ما يميّز بينهما. حقًّا، هناك مقادير تُميّز بين الالكترونين عدا عن طاقتهما: العزم الزاوي المداري، وهو مقدار ذو اتّجاه يمثّل حركة الإلكترونات الدورانيّة حول نواة الذّرّة، ومُتّجه هذا العزم في أحد المحاور، ويُسمّى z. تُسمّى هذه القيم أعداد الكمّ، لكن لا علاقة لها بتأثير زيمان – انقسام خطوط الطَّيْف تحت تأثير حقل مغناطيسيّ خارجيّ – ولا يمكنها تفسيره.

اتّجه باولي في العام 1927، متسلّحًا بمعادلة شرودنغر الّتي تصف الحركة الموجية للإلكترونات، نحو صياغة ادّعائِه، بأنّ القيمة الجديدة هي عبارة عن عدد كموميّ رابع، صياغةً رياضيّة. 

صيغت ميكانيكا الكمّ بلغة رياضيّة مُكوّنة من المتّجهات والمصفوفات. تُمثّل المتّجهات وضع المجموعة الكموميّة، بينما تمثّل المصفوفات المُعاملات أو العوامل الرياضيّة (الأوبيريتورات)، أي العمليّات. لذا يُحسَب مقدار المكان، والسرعة (العزم أو الزخم) والعزم الزاوي بواسطة ضرب المصفوفات بالمتّجهات. كان من الطّبيعيّ أن يُحسَب المقدار الجديد بالوسائل ذاتها. استخدم باولي ثلاث مصفوفات تمثّل ثلاثة اتّجاهات الحيّز ثلاثيّ الأبعاد: y ،x، و-z  وذلك كي يتعامل مع المقدار الجديد بدور المعامِل (الاوبريتور). يوجد وَضعان للإلكترون لا ثالث لهما، يسمّيان “إلى أعلى” وَ “إلى أسفل”. تعبر هاتان الحالتان عن عدد كموميّ إضافيّ، عدد خامس: مُتّجه السبين على محور z. 

הראשון להצביע על האפשרות שלאלקטרון יש תכונה דו-ערכית, לא-קלאסית, שבאינטראקציה עם שדה מגנטי מביאה לפיצול של רמות האנרגיה באטום. וולפגנג פאולי ב-1955 | מקור: W Dieckvoss, Hamburg / Cern / Science Photo Library
فولفغانغ باولي سنة 1955. أوّل من أشار إلى إمكانيّة وجود سِمة ثنائية القيمة غير تقليدية للإلكترون، ينجم عنها انقسام مستويات الطّاقة في الذّرّة تحت تأثير حقل مغناطيسيّ خارجيّ | المصدر: W Dieckvoss, Hamburg / Cern / Science Photo Library

قُدسيّة العزم

اتّضح أنّ العلاقة الرياضيّة ما بين ثلاث مصفوفات باولي تطابق العلاقة ما بين مصفوفات العزم الزاوي المداري النّاجم عن الحركة الحقيقيّة للجسيم. من هُنا فقد اعتبر باولي المقدار الجديد عزمًا زاويًّا، الّذي هو سِمة داخليّة للإلكترون، كما وتُطابق وحدات المقدار الجديد، المسماة “ثابت بلانك”، وحدات العزم الزاوي المداري. لكن، لا يُمكن أن يمثل هذا المقدار دوران الإلكترون حول نفسه لأنّه، أي الإلكترون، هو جسيم شبه نقطة. 

مصفوفات باولي هي مصفوفات دَوران – لا يؤدّي تفعيلها إلى تغيير قيمة المتّجه، وإنّما يؤدّي إلى استدارته في الحيّز الفراغيّ فحسب. لذلك فإنّ اسم اللّفّ (السبين) متجذّر بقوّة في الأرضيّة الرّياضيّة، وكان حدس كرونيج في مكانه: تُعادل خاصّيّة لفّ الجسيمات المشحونة كهربائيًّا ذات سبين ½، كالإلكترون، العزم المغناطيسيّ، الأمر الّذي يتيح للحقل المغناطيسيّ التّأثير على الجسيمات الكموميّة. 

يمكن بذلك تفسير تأثير زيمان. يؤدّي التّأثير بحقل مغناطيسيّ على ذرّة شبيهة بذرة الهيدروجين إلى الفصل بين طاقة الإلكترونيّين الموجودين في مستوى الطّاقة الأعلى. تكون طاقة الالكترونين متطابقة بدون تأثير الحقل المغناطيسيّ، و يكتسب الإلكترون ذي السبين “إلى أعلى” قليلًا من الطّاقة، في حين تقلّ طاقة الإلكترون ذي السبين “إلى أسفل” عند تشغيل الحقل المغناطيسيّ. ينعكس هذا الفرق في خطوط الطَّيْف التي ينقسم كلّ منها إلى خطّي طيف متجاورين. يمكن تعميم وصف باولي الرّياضيّ وتطبيقه على جسيمات أُخرى لها سبين أكبر من ½ ثابت بلانك، وستكون مصفوفات باولي الخاصّة بها، وفقًا لذلك، أكبر.

אלקטרונים בעלי ספין "למעלה" ו"למטה" מאכלסים רמת אנרגיה באטום. תיאור אומנותי של ספינים | מקור: Thom Leach / Science Photo Library
اللّفّ المغزليّ (السبين) بريشة فنان. إلكترونات ذات سبين "إلى أعلى" وأخرى ذات سبين "إلى أسفل" متوطنة في مستوى طاقة في الذرة | المصدر: Thom Leach / Science Photo Library

التّجوّل في الطُّرقات 

واجه الفيزيائيّون مشكلةً هندسيّة غريبة بسبب السبين: يكشف لنا اعتبار السبين مُتجهًا أنّه ليس كذلك في الحقيقة. يجب إدارة السبين بـِ 720 درجة ليعود إلى وضعه الأصليّ، بينما تكفي استدارة المتّجه بـِ 360 درجة حتّى يعود إلى وضعه الأصليّ. اقتضت هذه الظّاهرة ضرورة إيجاد مصطلح رياضيّ جديد: المُدَوِّم أو الدُّوَّام (بالإنجليزية: Spinor) وهو ليس متّجهًا بالضبط وليس مصفوفة بالضّبط وإنّما شيء ما بينهما. 

لم يلتزم، في هذه الأثناء، علماء الفيزياء النّظريّة الصّمت، ودرسوا كيفيّة إدراج حقيقة وجود السبين في البنية الشّامِلة لنظريّة الكمّ. اقترح بول ديراك (Dirac) سنة 1928 إضافة توسعة لِمعادلة شرودنغر، الّتي سُمِّيت معادلة ديراك، على اسمه. وُصفت حركة الجسيم في هذه المعادلة بواسطة الدُّوام بدلًا من وصفها بواسطة المُتَّجهه، مع الأخذ بالحسبان النّسبيّة الخاصّة أيضًا كجزء من وصف حركة الجسيمات ذات سبين ½، وتشمل السبين مكوِّنًا إضافيًّا في حركة الجسيم.

اتّضح فيما بعد أنّ السّبين كان حاضرًا أمام أعين علماء الفيزياء في وقت مبكّر من العام 1922، قبل عامين من رؤية باولي الأوّليّة. أجرى الفيزيائيّ الألمانيّ والتر جيرلاخ (Gerlach) في تلك السّنة تجربة كان قد اقترحها قبل ذلك الفيزيائيّ الألمانيّ – اليهوديّ أوتو شتيرن (Stern). فحص جيرلاخ في هذه التّجربة الانحراف الفراغيّ لِشعاع من ذرّات فضّة تعرّضت لتأثير حقل مغناطيسيّ غير متجانس، ووجد أنّ الشعاع يتفرّع إلى اتّجاهين فقط. كان الهدف من التجربة بحث العزم المغناطيسي للذرات، ولم يجد الباحثون تفسيرًا لانقسام شعاع الذرات إلى اتجاهين، فهم لم يعرفوا خاصّيّة السبين بعد. اتّضح بعد مرور بضع سنين من إجراء التّجربة أنّه يمكن تفسير المشاهدة والنّتيجة بالاعتماد على اتجاهَيْ السبين الإلكتروني – “إلى أعلى” وَ “إلى أسفل”. حاز شتيرن عام 1943 على جائزة نوبل ولم تُمنح الجائزة لِجيرلاخ، وقد يكون السّبب تضامن الأخير مع الحكم النّازيّ فلم تجد اللّجنة من المناسب مكافأته بالجائزة. 

הספין בישר את פיתוחה של הטכנולוגיה הרפואית דימות באמצעות תהודה מגנטית. אדם בתוך מכשיר MRI | מקור: Svitlana Hulko, Shutterstock
شكّل اكتشاف السّبين انطلاقةً نحو تطوير تكنولوجيا التّصوير الطّبّيّ بواسطة الرّنين المغناطيسيّ. في الصّورة شخص مُعالَج داخل جهاز MRI | المصدر: Svitlana Hulko, Shutterstock

التّطبيقات

ما هي أهمّيّة السّبين، عدا عن النّاحية النّظريّة؟ رأينا أوّلًا كيف يتيح السّبين تفسير الظّواهر الطّبيعيّة، وهذا غيض من فيض. تكتسب قطع المغناطيس الّتي نُلصقها على باب البرّاد مثلًا مغناطيسيّتها من حقيقة كون السّبينات منتظمةً انتظامًا متجانسًا في المادّة. وتنجم خواصّ مغناطيسيّة أُخرى، أقلّ شهرة، عن انتظام السّبينات الحسّاسة، بشكل أو بآخر، لِوجود حقل مغناطيسيّ خارجيّ في محيطها القريب. 

 شكّل اكتشاف السّبين أيضًا انطلاقةً نحو تطوير تكنولوجيا طبّيّة تنقذ حياة النّاس: التّصوير بواسطة الرّنين المغناطيسيّ – MRI. تعتمد أجهزة MRI، الّتي تتيح مشاهدة أنسجة الجسم الدّاخليّة والعمليّات الجارية فيه دون الحاجة للجراحة والنّفاذ داخل الجسم، على الظّاهرة المُسمّاة بالرّنين المغناطيسيّ النّوويّ. استخدام هذه التّقنية متاحٌ بفضل الفهم العميق للسّبين النّوويّ – أي سبينات نويات الذّرّات. الذّرّات في هذا السّياق هي ذرّات الهيدروجين الموجودة في جميع جزيئات الماء في الجسم، وفي جزيئات موادّ أخرى كثيرة. يَستخدم جهاز التّصوير حقولًا مغناطيسيّة شديدة ذات اتّجاه ثابت لتقويم سبينات ذرات الهيدروجين لتصبح موحّدة الاتجّاه. يتاح هذا التّقويم بفضل العلاقة المتبادلة بين السّبين والحقل المغناطيسيّ. 

يؤدّي التّأثير بِحقل كهرومغناطيسيّ بتردّد أمواج الرّاديو إلى تغيير طفيف باتّجاه سبينات النّويات، الّتي تصبو بطبيعتها للعودة إلى انتظامها الأصليّ. حركة النّويات مصحوبة بانبعاث أشعّة يمكن قياسها وتكوين صورة تحاكي بنية الأنسجة في جسم الشّخص المعالَج. يواصل الفيزيائيّون والكيميائيّون العاملون في مجال الرّنين المغناطيسيّ النّوويّ العمل على تطوير التّطبيقات الحياتيّة الطّبّيّة المشتقّة أساسًا من السّبين. 

يلعب السّبين، بالإضافة، دورًا مركزيًّا في تطوير الحاسوب الكموميّ. البِت (أو البِتّة أو النّبضة) هي وحدة المعلومات الأساسيّة في الحاسوب الرقميّ العاديّ، وهي عبارة عن مفتاح كهربائيّ يمكن أن يتواجد بإحدى الحالتين: (1) – تشغيل،  أو (0) – إيقاف. تعتمد فكرة الحاسوب الكموميّ على استخدام وحدة المعلومات المسمّاة كيوبِت الّتي يمكنها أن تتواجد، بخلاف البِت العاديّ، بحالة بينيّة هي بمثابة معدل مرجّح ما للحالتين التّقليديتين. يمنح هذا الفرق الحاسوب الكموميّ قدرات حسابيّة مختلفة عن قدرات الحاسوب الرّقميّ المعهود. 

ليس صدفة أن يُذكّرنا ذلك بشيء ما. يمكن استخدام حالتَيْ السّبين الإلكترونيّ – إلى أعلى وإلى أسفل – لوصف الحالتين (1) وَ (0). وبما أنّ الإلكترون هو كيان احتماليّ، يمكن أيضًا قياس جميع حالاته البينيّة والمسماة الحالات التّراكبيّة. بناء على ذلك، يمكن استخدام منظومة السّبين الإلكترونيّ أساسًا لبناء حاسوب المستقبل. 

ظهرت فكرة الإلكترونيّات الدّورانيّة (السبينترونيكس) قبل ظهور فكرة الحاسوب الكموميّ بسنين عديدة، وهي تقضي باستخدام خاصّيّة السّبين لِخزن المعلومات. توجد اليوم تجهيزات خزن معيّنة تستخدم شحنة الإلكترون الكهربائيّة لخزن المعلومات، لكنّها لا تستخدم السّبين الإلكترونيّ لهذا الغرض. 

تحيط السّبينات بميكانيكا الكمّ. إنّها إحدى خصائص الجسيمات الأكثر مراوغة، والأكثر إثارةً للاهتمام، والأكثر قابليّةً للاستخدام، ليتنا نزيد ونتعمّق في التّمعّن فيها. 

Additional content that may interest you

تاريخ اللَّفّ المغزليّ (السْبين)

بدأ كفكرة فاشلة لطالب جامعي شاب، وتطوّر ليصبح مقدارًا هامًّا وعمليًّا في ميكانيكا الكم

calendar 13.10.2025
reading-time 8 دقائق

شقُّ الطريق أمام مستقبل الكيمياء النظريّة

ابتكرت مجموعة من علماء الفيزياء في القرن العشرين معادلات وأساليب حسابيّة تتيح للكيميائيّين فهمًا أفضل للفيزياء الكامنة وراء الكيمياء

calendar 25.11.2024
reading-time 6 دقائق

كلّ ما أردتم معرفته عن السّكتة الدّماغيّة

كيف تحدث السّكتة الدّماغيّة، ما هي أنواعها، ما هي المؤشّرات المثيرة للقلق وما الّذي يمكن فعله إزاءها؟

calendar 8.10.2024
reading-time 7 دقائق